قَوْله تَعَالَى :﴿ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ﴾ قِيلَ فِي الِاسْتِقْسَامِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : طَلَبُ عِلْمِ مَا قُسِمَ لَهُ بِالْأَزْلَامِ، وَالثَّانِي : إلْزَامُ أَنْفُسِهِمْ بِمَا تَأْمُرُهُمْ بِهِ الْقِدَاحُ كَقَسَمِ الْيَمِينِ.
وَالِاسْتِقْسَامُ بِالْأَزْلَامِ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا إذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ سَفَرًا أَوْ غَزْوًا أَوْ تِجَارَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْحَاجَاتِ أَجَالَ الْقِدَاحَ وَهِيَ الْأَزْلَامُ، وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ : مِنْهَا مَا كُتِبَ عَلَيْهِ : أَمَرَنِي رَبِّي " وَمِنْهَا مَا كُتِبَ عَلَيْهِ :" نَهَانِي رَبِّي " وَمِنْهَا غُفْلٌ لَا كِتَابَةَ عَلَيْهِ يُسَمَّى :" الْمَنِيحُ ".
فَإِذَا خَرَجَ " أَمَرَنِي رَبِّي " مَضَى فِي الْحَاجَةِ، وَإِذَا خَرَجَ :" نَهَانِي رَبِّي " قَعَدَ عَنْهَا، وَإِذَا خَرَجَ الْغُفْلُ أَجَالَهَا ثَانِيَةً.
قَالَ الْحَسَنُ : كَانُوا يَعْمِدُونَ إلَى ثَلَاثَةِ قِدَاحٍ ؛ نَحْوِ مَا وَصَفْنَا.
وَكَذَلِكَ قَالَ سَائِرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالتَّأْوِيلِ.
وَوَاحِدُ الْأَزْلَامِ " زَلَمٌ " وَهِيَ الْقِدَاحُ فَحَظَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ، وَكَانَ مَنْ فِعْلِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَجَعَلَهُ فِسْقًا بِقَوْلِهِ :﴿ ذَلِكُمْ فِسْقٌ ﴾ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ الْقُرْعَةِ فِي عِتْقِ الْعَبِيدِ ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ بِعَيْنِهِ ؛ إذْ كَانَ فِيهِ اتِّبَاعُ مَا أَخْرَجْته الْقُرْعَةُ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ ؛ لِأَنَّ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدَيْهِ أَوْ عَبِيدًا لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ وَلَمْ يَخْرُجُوا مِنْ الثُّلُثِ فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ مُتَسَاوُونَ فِي اسْتِحْقَاقِ الْحُرِّيَّةِ، فَفِي اسْتِعْمَالِ الْقُرْعَةِ إثْبَاتُ حُرِّيَّةٍ غَيْرِ مُسْتَحَقَّةٍ وَحِرْمَانُ مَنْ هُوَ مُسَاوٍ لَهُ فِيهَا، كَمَا يَتْبَعُ صَاحِبُ الْأَزْلَامِ مَا يُخْرِجُهُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ لَا سَبَبَ لَهُ غَيْرَهُ.
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ جَازَتْ الْقُرْعَةُ فِي قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ وَغَيْرِهَا فِي إخْرَاجِ النِّسَاءِ.
قِيلَ لَهُ : إنَّمَا الْقُرْعَةُ فِيهَا لِتَطْيِيبِ نُفُوسِهِمْ وَبَرَاءَةً لِلتُّهْمَةِ مِنْ إيثَارِ بَعْضِهِمْ بِهَا، وَلَوْ اصْطَلَحُوا عَلَى ذَلِكَ جَازَ مِنْ