قَوْله تَعَالَى :﴿ فَمَنْ اُضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ ﴾ فَإِنَّ الِاضْطِرَارَ هُوَ الضَّرَرُ الَّذِي يُصِيبُ الْإِنْسَانَ مِنْ جُوعٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ ؛ وَالْمَعْنَى هَهُنَا مِنْ إصَابَةِ ضُرِّ الْجُوعِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ ذَلِكَ عِنْدَ الْخَوْفِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى بَعْضِ أَعْضَائِهِ ؛ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى :﴿ فِي مَخْمَصَةٍ ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيُّ وَقَتَادَةُ :" الْمَخْمَصَةُ الْمَجَاعَةُ ".
فَأَبَاحَ اللَّهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ أَكْلَ جَمِيعَ مَا نَصَّ عَلَى تَحْرِيمِهِ فِي الْآيَةِ، وَلَمْ يَمْنَعْ مَا عَرَضَ مِنْ قَوْلِهِ :﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ مَعَ مَا ذُكِرَ مَعَهُ مِنْ عَوْدِ التَّخْصِيصِ إلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ، فَاَلَّذِي تَضَمَّنَهُ الْخِطَابُ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ فِي قَوْلِهِ :﴿ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ ﴾ إبَاحَةُ الْأَنْعَامِ.
﴿ إلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحَلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ﴾ فِيهِ بَيَانُ إبَاحَةِ الصَّيْدِ فِي حَالِ الْإِحْلَالِ وَغَيْرُ دَاخِلٍ فِي قَوْلِهِ :﴿ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ ﴾، ثُمَّ بَيَّنَ مَا حُرِّمَ عَلَيْنَا فِي قَوْلِهِ :﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ ﴾ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ، ثُمَّ خَصَّ مِنْ ذَلِكَ حَالَ الضَّرُورَةِ وَأَبَانَ أَنَّهَا غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي التَّحْرِيمِ، وَذَلِكَ عَامٌّ فِي الصَّيْدِ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ وَفِي جَمِيعِ الْمُحَرَّمَاتِ، فَمَتَى اُضْطُرَّ إلَى شَيْءٍ مِنْهَا حَلَّ لَهُ أَكْلُهُ بِمُقْتَضَى الْآيَةِ.
وقَوْله تَعَالَى :﴿ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَمُجَاهِدُ وَالسُّدِّيُّ :" غَيْرَ مُعْتَمِدٍ عَلَيْهِ " فَكَأَنَّهُ قَالَ : غَيْرَ مُعْتَمِدٍ بِهَوَاهُ إلَى إثْمٍ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْهُ بَعْدَ زَوَالِ الضَّرُورَةِ.