لِصَاحِبِهِ لَكَانَ يَصْطَادُ فِي حَالِ الشِّبَعِ " فَهُوَ يَصْطَادُ فِي حَالِ الشِّبَعِ لِصَاحِبِهِ وَيُمْسِكُهُ عَلَيْهِ إذَا أَرْسَلَهُ صَاحِبُهُ، وَهُوَ إذًا كَانَ مُعَلَّمًا لَمْ يَمْتَنِعْ مِنْ الِاصْطِيَادِ إذَا أَرْسَلَهُ.
وَأَمَّا قَوْلُك :" إنَّهُ يُضَرَّى عَلَى الصَّيْدِ بِأَنَّهُ يُطْعَمُ مِنْهُ " فَإِنَّهُ إنَّمَا يُطْعَمُ مِنْهُ بَعْدَ إمْسَاكِهِ عَلَى صَاحِبِهِ ؛ وَأَمَّا ضَمِيرُ الْكَلْبِ وَنِيَّتُهُ فَإِنَّ الْكَلْبَ يَعْلَمُ مَا يُرَادُ مِنْهُ بِالتَّعْلِيمِ فَيَنْتَهِي إلَيْهِ، كَمَا يَعْرِفُ الْفَرَسُ مَا يُرَادُ مِنْهُ بِالزَّجْرِ وَرَفْعِ السَّوْطِ وَنَحْوِهِ، وَاَلَّذِي يُعْلَمُ بِهِ ذَلِكَ مِنْ الْكَلْبِ تَرْكُهُ لِلْأَكْلِ وَمَتَى أَكَلَ مِنْهُ فَقَدْ عَلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ قَصَدَ بِذَلِكَ إمْسَاكَهُ عَلَى نَفْسِهِ دُونَ صَاحِبِهِ.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَأَنَّ تَعْلِيمَ الْكَلْبِ إنَّمَا يَكُونُ بِتَرْكِهِ الْأَكْلَ أَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّهُ أَلُوفٌ غَيْرُ مُسْتَوْحِشٍ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيمُهُ لِيَتَأَلَّفَ وَلَا يَسْتَوْحِشَ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بِتَرْكِهِ الْأَكْلَ.
وَالْبَازِي مِنْ جَوَارِحِ الطَّيْرِ وَهُوَ مُسْتَوْحِشٌ فِي الْأَصْلِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَعْلِيمُهُ بِأَنْ يُضْرَبَ لِيَتْرُكَ الْأَكْلَ، فَثَبَتَ أَنَّ تَعْلِيمَهُ بِإِلْفِهِ لِصَاحِبِهِ وَزَوَالِ الْوَحْشَةِ مِنْهُ بِأَنْ يَدْعُوَهُ فَيُجِيبَهُ، فَيَزُولَ بِذَلِكَ عَنْ طَبْعِهِ الْأَوَّلِ وَيَكُونَ ذَلِكَ عَلَمًا لَتَعْلِيمِهِ.
وقَوْله تَعَالَى :﴿ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ﴾ قِيلَ فِيهِ : إنَّ " مِنْ " دَخَلَتْ لِلتَّبْعِيضِ، وَيَكُونُ مَعْنَى التَّبْعِيضِ فِيهِ أَنَّ بَعْضَ مَا يُمْسِكُهُ عَلَيْنَا مُبَاحٌ دُونَ جَمِيعِهِ، وَهُوَ الَّذِي يَجْرَحُهُ فَيَقْتُلُهُ دُونَ مَا يَقْتُلُهُ بِصَدْمِهِ مِنْ غَيْرِ جِرَاحَةٍ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إنَّ " مِنْ " هَهُنَا زَائِدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ ﴾.
وَقَالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ : هَذَا خَطَأٌ ؛ لِأَنَّهَا لَا تُزَادُ فِي الْمُوجَبِ وَإِنَّمَا تُزَادُ فِي النَّفْيِ وَالِاسْتِفْهَامِ، وقَوْله


الصفحة التالية
Icon