أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ }، وَذَلِكَ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ، فَأَخْبَرَ تَعَالَى بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ أَنَّ مَنْ يَتَوَلَّاهُمْ مِنْ الْعَرَبِ فَهُوَ مِنْهُمْ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كِتَابِيًّا ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ، وَأَنْ تَحِلَّ ذَبَائِحُهُمْ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ ﴾ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ هُمْ بَنُو إسْرَائِيلَ الَّذِينَ يَنْتَحِلُونَ الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّة دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ الَّذِينَ دَانُوا بِدِينِهِمْ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَنْ دَانَ بِذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ وَبَعْدَهُ، وَيَحْتَجُّونَ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ :﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ﴾، فَأَخْبَرَ أَنَّ الَّذِينَ آتَاهُمْ الْكِتَابَ هُمْ بَنُو إسْرَائِيلَ ؛ وَبِحَدِيثِ عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ :( لَا تَحِلُّ ذَبَائِحُ نَصَارَى الْعَرَبِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَعَلَّقُوا مِنْ دِينِهِمْ بِشَيْءٍ إلَّا بِشُرْبِ الْخَمْر ) أَمَّا الْآيَةُ فَلَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى قَوْلِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ آتَى بَنِي إسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَلَمْ يَنْفِ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَنْ انْتَحَلَ دِينَهُمْ فِي حُكْمِهِمْ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : تَحِلُّ ذَبَائِحُهُمْ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ﴾، فَلَوْ لَمْ يَكُونُوا مِنْهُمْ إلَّا بِالْوِلَايَةِ لَكَانُوا مِنْهُمْ وَقَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ وَحَظْرُ ذَبَائِحِ نَصَارَى الْعَرَبِ لَيْسَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمْ مِنْ غَيْرِ بَنِي إسْرَائِيلَ، لَكِنْ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُمْ غَيْرُ مُتَمَسِّكِينَ بِأَحْكَامِ تِلْكَ الشَّرِيعَةِ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ : إنَّهُمْ لَا يَتَعَلَّقُونَ مِنْ دِينِهِمْ إلَّا بِشُرْبِ الْخَمْرِ، وَلَمْ يَقُلْ : لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ ؛ فَقَوْلُ مَنْ


الصفحة التالية
Icon