عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ تَزَوَّجَ نَائِلَةَ بِنْتَ الْفُرَافِصَةِ الْكَلْبِيَّةَ وَهِيَ نَصْرَانِيَّةٌ وَتَزَوَّجَهَا عَلَى نِسَائِهِ ؛ وَرُوِيَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّهُ تَزَوَّجَ يَهُودِيَّةً مِنْ أَهْلِ الشَّامِ.
وَتُرْوَى إبَاحَةُ ذَلِكَ عَنْ عَامَّةِ التَّابِعِينَ ؛ مِنْهُمْ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ وَالشَّعْبِيُّ فِي آخَرِينَ مِنْهُمْ.
وَلَا يَخْلُو قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ ﴾ مِنْ أَحَدِ مَعْنَيَيْنِ : إمَّا أَنْ يَكُونَ إطْلَاقُهُ مُقْتَضِيًا لِدُخُولِ الْكِتَابِيَّاتِ فِيهِ، أَوْ مَقْصُورًا عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ غَيْرِ الْكِتَابِيَّاتِ.
فَإِنْ كَانَ إطْلَاقُ اللَّفْظِ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ، فَإِنَّ قَوْلَهُ :﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ يَخُصُّهُ، وَيَكُونُ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ ﴾ مُرَتَّبًا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَنَا اسْتِعْمَالُ الْآيَتَيْنِ عَلَى مَعْنَى تَرْتِيبِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ وَجَبَ اسْتِعْمَالُهُمَا وَلَمْ يَجُزْ لَنَا نَسْخُ الْخَاصِّ بِالْعَامِّ إلَّا بِيَقِينٍ، وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ :﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ ﴾ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ إطْلَاقُهُ عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ؛ فَقَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ ثَابِتُ الْحُكْمِ ؛ إذْ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَا يُوجِبُ نَسْخَهُ.
فَإِنْ قِيلَ : قَوْله تَعَالَى :﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ إنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ اللَّاتِي كُنَّ كِتَابِيَّاتٍ فَأَسْلَمْنَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى :﴿ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْهِمْ ﴾، وقَوْله تَعَالَى :﴿ لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ وَالْمُرَادُ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَأَسْلَمَ ؛ كَذَلِكَ قَوْلُهُ :{ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ