وَاخْتُلِفَ فِي الْمَجُوسِ فَقَالَ جُلُّ السَّلَفِ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ :" لَيْسُوا أَهْلَ الْكِتَابِ ".
وَقَالَ آخَرُونَ :" هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ ".
وَالْقَائِلُونَ بِذَلِكَ شَوَاذٌّ ؛ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلَ الْكِتَابِ قَوْله تَعَالَى :﴿ { وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أَنْ تَقُولُوا إنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا ﴾ } فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ طَائِفَتَانِ، فَلَوْ كَانَ الْمَجُوسُ أَهْلَ الْكِتَابِ لَكَانُوا ثَلَاثَ طَوَائِفَ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ : إنَّمَا لِي عَلَى فُلَانٍ جُبَّتَانِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ أَكْثَرَ مِنْهُ ؟ وَقَوْلُ الْقَائِلِ : إنَّمَا لَقِيت الْيَوْمَ رَجُلَيْنِ، يَنْفِي أَنْ يَكُونَ قَدْ لَقِيَ أَكْثَرَ مِنْهُمَا ؟ فَإِنْ قِيلَ : إنَّمَا حَكَى اللَّهُ ذَلِكَ عَنْ الْمُشْرِكِينَ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونُوا قَدْ غَلِطُوا.
قِيلَ لَهُ : إنَّ اللَّهَ لَمْ يَحْكِ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ الْمُشْرِكِينَ، وَلَكِنَّهُ قَطَعَ بِذَلِكَ عُذْرَهُمْ لِئَلَّا يَقُولُوا إنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنَّا كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ ؛ فَهَذَا إنَّمَا هُوَ قَوْلُ اللَّهِ وَاحْتِجَاجٌ مِنْهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي قَطْعِ عُذْرِهِمْ بِالْقُرْآنِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَجُوسَ لَا يَنْتَحِلُونَ شَيْئًا مِنْ كُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى أَنْبِيَائِهِ، وَإِنَّمَا يَقْرَءُونَ كِتَابَ زَرَادُشْتَ وَكَانَ مُتَنَبِّيًا كَذَّابًا، فَلَيْسُوا إذَا أَهْلَ كِتَابٍ.
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلَ كِتَابٍ حَدِيثُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ عُمَرُ : مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ بِالْمَجُوسِ وَلَيْسُوا أَهْلَ كِتَابٍ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ﴿ : سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾.
فَصَرَّحَ عُمَرُ بِأَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلَ كِتَابٍ، وَلَمْ يُخَالِفْهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ.
وَرَوَى