بِهِ حَقِيقَةَ اللَّفْظِ وَإِنَّمَا أَرَادَ مَعْنًى مُضْمَرًا فِيهِ غَيْرَ مَذْكُورٍ ؛ فَالْمُحْتَجُّ بِعُمُومِ الْخَبَرِ فِي ذَلِكَ مُغَفَّلٌ.
فَإِنْ قِيلَ : مُرَادُهُ حُكْمُ الْعَمَلِ.
قِيلَ لَهُ : الْحُكْمُ غَيْرُ مَذْكُورٍ، فَالِاحْتِجَاجُ بِعُمُومِهِ سَاقِطٌ.
فَإِنْ تَرَكَ الِاحْتِجَاجَ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ وَقَالَ : لَمَّا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَخْلُوَ كَلَامُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَائِدَةٍ، وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ نَفْسَ الْعَمَلِ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ حُكْمَ الْعَمَلِ.
قِيلَ لَهُ : يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ فَضِيلَةَ الْعَمَلِ لَا حُكْمَهُ، وَإِذَا احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ اُحْتِيجَ إلَى دَلَالَةٍ مِنْ غَيْرِهِ فِي إثْبَاتِ الْمُرَادِ وَسَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ.
فَإِنْ قِيلَ : هُوَ عَلَى الْأَمْرَيْنِ.
قِيلَ لَهُ : هَذَا خَطَأٌ ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ الْمُحْتَمِلَ لِلْمَعْنَيَيْنِ غَيْرُ مَلْفُوظٍ بِهِ فَيُقَالُ هُوَ عَلَيْهِمَا، وَإِنَّمَا يُقَالُ ذَلِكَ فِيمَا هُوَ مَلْفُوظٌ بِهِ وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلْمَعَانِي فَيُقَالُ عُمُومُهُ شَامِلٌ لِلْجَمِيعِ، فَأَمَّا مَا لَيْسَ بِمَذْكُورٍ وَهُوَ ضَمِيرٌ لَيْسَ اللَّفْظُ عِبَارَةً عَنْهُ فَقَوْلُ الْقَائِلِ أَحْمِلُهُ عَلَى الْعُمُومِ خَطَأٌ.
وَأَيْضًا فَغَيْرُ جَائِزٍ إرَادَةُ الْأَمْرَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِهِ فَضِيلَةُ الْعَمَلِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ لَا فَضِيلَةَ لِلْعَمَلِ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي إثْبَاتَ حُكْمِ الْعَمَلِ حَتَّى يَصِحَّ نَفْيُ فَضِيلَتِهِ لِأَجْلِ عَدَمِ النِّيَّةِ، وَمَتَى أَرَادَ بِهِ حُكْمَ الْعَمَلِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْفَضِيلَةَ وَالْأَصْلُ مُنْتَفٍ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُزَادَا جَمِيعًا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ ؛ إذْ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ لَفْظٌ وَاحِدٌ لِنَفْيِ الْأَصْلِ وَنَفْيِ الْكَمَالِ ؛ وَأَيْضًا غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُزَادَ فِي حُكْمِ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْآحَادِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَهَذَا مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ.


الصفحة التالية
Icon