جَائِزًا لَمَا أَخْلَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيَانِهِ ؛ إذْ كَانَ مُرَادُ اللَّهِ فِي الْمَسْحِ كَهُوَ فِي الْغَسْلِ، فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَسْحُهُ فِي وَزْنِ غَسْلِهِ، فَلَمَّا لَمْ يَرِدْ عَنْهُ الْمَسْحُ حَسَبَ وُرُودِهِ فِي الْغَسْلِ ثَبَتَ أَنَّ الْمَسْحَ غَيْرُ مُرَادٍ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْقِرَاءَتَيْنِ كَالْآيَتَيْنِ فِي إحْدَاهُمَا الْغَسْلُ وَفِي الْأُخْرَى الْمَسْحُ لِاحْتِمَالِهِمَا لِلْمَعْنَيَيْنِ، فَلَوْ وَرَدَتْ آيَتَانِ إحْدَاهُمَا تُوجِبُ الْغَسْلَ وَالْأُخْرَى الْمَسْحَ لَمَا جَازَ تَرْكُ الْغَسْلِ إلَى الْمَسْحِ ؛ لِأَنَّ فِي الْغَسْلِ زِيَادَةَ فِعْلٍ، وَقَدْ اقْتَضَاهُ الْأَمْرُ بِالْغَسْلِ، فَكَانَ يَكُونُ حِينَئِذٍ يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُمَا عَلَى أَعَمِّهِمَا حُكْمًا وَأَكْثَرِهِمَا فَائِدَةً وَهُوَ الْغَسْلُ لِأَنَّهُ يَأْتِي عَلَى الْمَسْحِ وَالْمَسْحُ لَا يَنْتَظِمُ الْغَسْلَ.
وَأَيْضًا لَمَّا حَدَّدَ الرِّجْلَيْنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ ﴾ كَمَا قَالَ :﴿ وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ ﴾ دَلَّ عَلَى است يُعَابِ الْجَمِيعِ، كَمَا دَلَّ ذِكْرُ الْأَيْدِي عَلَى الْمَرَافِقِ عَلَى اسْتِيعَابِهِمَا بِالْغَسْلِ.
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ رَوَى عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ أَنَّهُ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى قَدَمَيْهِ وَنَعْلَيْهِ ﴾.
قِيلَ لَهُ : لَا يَجُوزُ قَبُولُ أَخْبَارِ الْآحَادِ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : لِمَا فِيهِ مِنْ الِاعْتِرَاضِ بِهِ عَلَى مُوجِبِ الْآيَةِ مِنْ الْغَسْلِ عَلَى مَا قَدْ دَلَّلْنَا عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي : أَنَّ أَخْبَارَ الْآحَادِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ فِي مِثْلِهِ لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ؛ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَرَأَ :( وَأَرْجُلَكُمْ ) بِالنَّصْبِ وَقَالَ :( الْمُرَادُ الْغَسْلُ ) فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَازُ الْمَسْحِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ دُونَ الْغَسْلِ لَمَا قَالَ : إنَّ مُرَادَ اللَّهِ الْغَسْلُ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ فِي ذَلِكَ، قَالَ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى


الصفحة التالية
Icon