فَصْلٌ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْكَعْبَيْنِ مَا هُمَا، فَقَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَسَائِرُ أَهْلِ الْعِلْمِ :( هُمَا النَّاتِئَانِ بَيْنَ مَفْصِلِ الْقَدَمِ وَالسَّاقِ ).
وَحَكَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ :( أَنَّهُ مَفْصِلُ الْقَدَمِ الَّذِي يَقَعُ عَلَيْهِ عَقْدُ الشِّرَاكِ عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ ).
وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ :﴿ وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ ﴾ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ فِي كُلِّ رِجْلٍ كَعْبَيْنِ، وَلَوْ كَانَ فِي كُلِّ رَجُلٍ كَعْبٌ وَاحِدٌ لَقَالَ : إلَى الْكِعَابِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :﴿ إنْ تَتُوبَا إلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ﴾ لَمَّا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ قَلْبٌ وَاحِدٌ أَضَافَهُمَا إلَيْهِمَا بِلَفْظِ الْجَمْعِ، فَلَمَّا أَضَافَهُمَا إلَى الْأَرْجُلِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ دَلَّ عَلَى أَنَّ فِي كُلِّ رِجْلٍ كَعْبَيْنِ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا حَدَّثَنَا مَنْ لَا أَتَّهِمُ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شِيرَوَيْهِ قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ قَالَ : حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَامِعِ بْنِ شِدَادٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُحَارَبِي قَالَ :﴿ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سُوقِ ذِي الْمَجَازِ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ حَمْرَاءُ وَهُوَ يَقُولُ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ تُفْلِحُوا وَرَجُلٌ يَتْبَعُهُ وَيَرْمِيهِ بِالْحِجَارَةِ وَقَدْ أَدْمَى عُرْقُوبَيْهِ وَكَعْبَيْهِ، وَهُوَ يَقُولُ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَا تُطِيعُوهُ فَإِنَّهُ كَذَّابٌ، فَقُلْت : مَنْ هَذَا ؟ فَقَالُوا : ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلَبِ، قُلْت : فَمَنْ هَذَا الَّذِي يَتْبَعُهُ وَيَرْمِيهِ بِالْحِجَارَةِ ؟ قَالُوا : هَذَا عَبْدُ الْعُزَّى أَبُو لَهَبٍ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَعْبَ هُوَ الْعَظْمُ النَّاتِئُ فِي جَانِبِ الْقَدَمِ ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَةَ إذَا كَانَتْ مِنْ وَرَاءِ الْمَاشِي لَا يَضْرِبُ ظَهْرَ الْقَدَمِ.
قَالَ : وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ بْن شِيرَوَيْهِ قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ : أَخْبَرَنَا


الصفحة التالية
Icon