وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ أَيْضًا فِي الْمَسْحِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا :( إذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ أَكْمَلَ الطَّهَارَةَ قَبْلَ الْحَدَثِ أَجْزَأَهُ أَنْ يَمْسَحَ إذَا أَحْدَثَ )، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ ؛ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مِثْلُهُ.
وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ :( أَنَّهُ لَا يَجْزِيهِ إلَّا أَنْ يَلْبَسَ خُفَّيْهِ بَعْدَ إكْمَالِ الطَّهَارَةِ ) وَدَلِيلُ أَصْحَابِنَا عُمُومُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿ : يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا ﴾ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ لُبْسِهِ قَبْلَ إكْمَالِ الطَّهَارَةِ وَبَعْدَهَا.
وَرَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ﴿ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ، فَأَهْوَيْت إلَى خُفَّيْهِ لِأَنْزِعَهُمَا، فَقَالَ : مَهْ فَإِنِّي أَدْخَلْت الْقَدَمَيْنِ الْخُفَّيْنِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ ﴾ فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا.
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ :( إذَا أَدْخَلْت قَدَمَيْك الْخُفَّيْنِ وَهُمَا طَاهِرَتَانِ فَامْسَحْ عَلَيْهِمَا ).
وَمَنْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ فَقَدْ طَهُرَتَا قَبْلَ إكْمَالِ طَهَارَةِ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ، كَمَا يُقَالُ : غَسَلَ رِجْلَيْهِ، وَكَمَا يُقَالُ : صَلَّى رَكْعَةً ؛ وَإِنْ لَمْ يُتِمَّ صَلَاتَهُ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ مَنْ لَا يُجِيزُ ذَلِكَ فَإِنَّمَا يَأْمُرُهُ بِنَزْعِ الْخُفَّيْنِ ثُمَّ لُبْسِهِمَا كَذَلِكَ بَقَاؤُهُمَا فِي رِجْلَيْهِ لِحِينِ الْمَسْحِ ؛ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ اللُّبْسِ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَائِهِ.