مَوْضِعَ الِاسْتِنْجَاءِ، وَهُوَ قَوْلُهُ :﴿ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ ﴾ فَأَخْبَرَ أَنَّ كَوْنَ النَّجَاسَةِ عَلَى يَدِهِ لَيْسَ بِيَقِينٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ يَدَهُ قَدْ كَانَتْ طَاهِرَةً قَبْلَ النَّوْمِ، فَهِيَ عَلَى أَصْلِ طَهَارَتِهَا، كَمَنْ كَانَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ الطَّهَارَةِ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الشَّكِّ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ الطَّهَارَةِ وَيُلْغِيَ الشَّكَّ ؛ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ أَمْرَهُ إذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ بِغَسْلِ يَدَيْهِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا الْإِنَاءَ اسْتِحْبَابٌ لَيْسَ بِإِيجَابٍ.
وَقَدْ ذَكَرَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ أَنَّ أَصْحَابَ عَبْدِ اللَّهِ كَانُوا إذَا ذُكِرَ لَهُمْ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي أَمْرِ الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ نَوْمِهِ بِغَسْلِ يَدَيْهِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا الْإِنَاءَ قَالُوا : إنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ مِهْذَارًا فَمَا يَصْنَعُ بِالْمِهْرَاسِ وَقَالَ الْأَشْجَعِيُّ لِأَبِي هُرَيْرَةَ : فَمَا تَصْنَعُ بِالْمِهْرَاسِ ؟ فَقَالَ : أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّك.
وَاَلَّذِي أَنْكَرَهُ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ اعْتِقَادَهُ الْإِيجَابَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الْمِهْرَاسَ الَّذِي كَانَ بِالْمَدِينَةِ قَدْ كَانَ يُتَوَضَّأُ مِنْهُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدَهُ فَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ، وَلَمْ يَكُنْ الْوُضُوءُ مِنْهُ إلَّا بِإِدْخَالِ الْيَدِ فِيهِ، فَاسْتَنْكَرَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ اعْتِقَادَ الْوُجُوبِ فِيهِ مَعَ ظُهُورِ الِاغْتِرَافِ مِنْهُ بِالْيَدِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَدْفَعُوا عِنْدَنَا رِوَايَتَهُ وَإِنَّمَا أَنْكَرُوا اعْتِقَادَ الْوُجُوبِ.


الصفحة التالية
Icon