بَعْدَ غَسْلِ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ مَعَ تَرْكِ الِاسْتِنْجَاءِ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا حَدِيثُ الْحُصَيْنِ الْحَرَّانِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ، وَمَنْ اكْتَحَلَ فَلْيُوتِرْ مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ ﴾ فَنَفَى الْحَرَجَ عَنْ تَارِكِ الِاسْتِجْمَارِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ.
فَإِنْ قِيلَ : إنَّمَا نَفَى الْحَرَجَ عَنْ تَارِكِهِ إلَى الْمَاءِ.
قِيلَ لَهُ : هَذَا خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ أَجَازَ تَرْكَهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، وَمَنْ ادَّعَى تَرْكَهُ إلَى الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ فَإِنَّمَا خَصَّهُ بِغَيْرِ دَلَالَةٍ.
وَالثَّانِي : أَنَّهُ تَسْقُطُ فَائِدَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ أَفْضَلُ مِنْ الِاسْتِجْمَارِ بِالْأَحْجَارِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَنْفِيَ الْحَرَجَ عَنْ فَاعِلِ الْأَفْضَلِ، هَذَا مُمْتَنِعٌ مُسْتَحِيلٌ لَا يَقُولُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ إذْ كَانَ وَضْعًا لِلْكَلَامِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ.
فَإِنْ قِيلَ : فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ :﴿ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَجْتَزِئَ بِدُونِ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ ﴾، وَرَوَتْ عَائِشَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ فَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ ﴾ وَأَمْرُهُ عَلَى الْوُجُوبِ، فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ :( فَلَا حَرَجَ ) عَلَى مَا لَا يُسْقِطُ إيجَابَ الْأَمْرِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا نَفَى الْحَرَجَ عَمَّنْ لَمْ يَسْتَجْمِرْ وِتْرًا وَيَفْعَلُهُ شَفْعًا، لَا بِأَنْ يَتْرُكَهُ أَصْلًا، أَوْ عَلَى أَنْ يَتْرُكَهُ إلَى الْمَاءِ لِيَسْلَمَ لَنَا مُقْتَضَى الْأَمْرِ مِنْ الْإِيجَابِ.
قِيلَ لَهُ : بَلْ نَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَنَسْتَعْمِلُهُمَا وَلَا نُسْقِطُ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ، فَنَجْعَلُ أَمْرَهُ بِالِاسْتِنْجَاءِ وَنَهْيَهُ عَنْ تَرْكِهِ عَلَى النَّدْبِ، وَنَسْتَعْمِلُ مَعَهُ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( وَمَنْ لَا