فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ } لَزِمَ بِحُكْمِ اللَّفْظِ أَنْ يَكُونَ الَّذِي يَلِي حَالَ الْقِيَامِ إلَيْهَا غَسْلَ الْوَجْهِ ؛ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ بِالْفَاءِ، فَلَزِمَ بِهِ تَقْدِيمُ غَسْلِهِ عَلَى سَائِرِ الْأَعْضَاءِ، وَإِذَا لَزِمَ التَّرْتِيبُ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ لَزِمَ فِي سَائِرِ الْأَعْضَاءِ لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا.
قِيلَ لَهُ : هَذَا غَيْرُ وَاجِبٍ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ قَوْلَهُ :﴿ إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ ﴾ مُتَّفَقٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ حَقِيقَةَ اللَّفْظِ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ تَقْتَضِي إيجَابَ الْوُضُوءِ بَعْدَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ شَرْطًا فِيهِ فَأَطْلَقَ ذِكْرَ الْقِيَامِ وَأَرَادَ بِهِ غَيْرَهُ، فَفِيهِ ضَمِيرٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ ؛ وَمَا كَانَ هَذَا سَبِيلُهُ فَغَيْرُ جَائِزٍ اسْتِعْمَالُهُ إلَّا بِقِيَامِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ ؛ إذْ كَانَ مَجَازًا ؛ فَإِذًا لَا يَصِحُّ إيجَابُ غَسْلِ الْوَجْهِ مُرَتَّبًا عَلَى الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ لِأَجْلِ إدْخَالِ الْفَاءِ عَلَيْهِ ؛ إذْ كَانَ الْمَعْنَى الَّذِي تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْغَسْلُ مَوْقُوفًا عَلَى الدَّلَالَةِ ؛ فَهَذَا وَجْهٌ يَسْقُطُ بِهِ سُؤَالُ هَذَا السَّائِلِ.
وَالْوَجْهُ الْآخَرُ : أَنْ نُسَلِّمَ لَهُمْ جَوَازَ اعْتِبَارِ هَذَا اللَّفْظِ فِيمَا يَقْتَضِيهِ مِنْ التَّرْتِيبِ، فَنَقُولُ لَهُمْ : إذَا ثَبَتَ أَنَّ ( الْوَاوَ ) لَا تُوجِبُ التَّرْتِيبَ صَارَ تَقْدِيرُ الْآيَةِ : إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا هَذِهِ الْأَعْضَاءَ فَيَصِيرُ الْجَمِيعُ مُرَتَّبًا عَلَى الْقِيَامِ وَلَيْسَ يَخْتَصُّ بِهِ الْوَجْهُ دُونَ سَائِرِهَا ؛ إذْ كَانَتْ ( الْوَاوُ ) لِلْجَمِيعِ، فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ عَطَفَ الْأَعْضَاءَ كُلَّهَا مَجْمُوعَةً بِالْفَاءِ عَلَى حَالِ الْقِيَامِ، فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى التَّرْتِيبِ، بَلْ تَقْتَضِي إسْقَاطَ التَّرْتِيبِ.
وَيَدُلُّ عَلَى سُقُوطِ التَّرْتِيبِ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ﴾ وَمَعْنَاهُ : مُطَهِّرًا ؛ فَحَيْثُمَا وُجِدَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُطَهِّرًا مُسْتَوْفِيًا لِهَذِهِ الصِّفَةِ الَّتِي وَصَفَهُ


الصفحة التالية
Icon