نَفْسِهِ فِي أَمْرِ الطَّهَارَةِ يَفْعَلُ فِيهَا مَا لَا يَرَاهُ وَاجِبًا، قَدْ كَانَ يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَيَفْعَلُ أَشْيَاءَ عَلَى وَجْهِ الِاحْتِيَاطِ لَا عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ ؛ وَحَدِيثُ يُوسُفَ بْنِ أَسْبَاطٍ الَّذِي ذَكَرْنَا فِيهِ نَصَّ عَلَى إيجَابِهَا فَرْضًا.
فَإِنْ قِيلَ : ذُكِرَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الثَّلَاثَ فَرْضًا، وَأَنْتَ لَا تَقُولُ بِهِ.
قِيلَ : ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي كَوْنَ الثَّلَاثِ فَرْضًا، وَقَدْ قَامَتْ الدَّلَالَةُ عَلَى سُقُوطِ فَرْضِ الِاثْنَيْنِ وَبَقِيَ حُكْمُ اللَّفْظِ فِيمَا وَرَاءَهُ ؛ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ أَنَّ الْمَفْرُوضَ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ غَسْلُ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ مِمَّا يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ، بِدَلَالَةِ أَنَّ عَلَيْهِ إبْلَاغَ الْمَاءِ أُصُولَ الشَّعْرِ لِأَنَّهَا يَلْحَقُهَا حُكْمُ التَّطْهِيرِ لَوْ أَصَابَتْهَا نَجَاسَةٌ، فَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُ تَطْهِيرُ دَاخِلِ الْفَمِ وَالْأَنْفِ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ فَإِنْ قِيلَ فَيَجِبُ عَلَى هَذَا غَسْلُ دَاخِلِ الْعَيْنَيْنِ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ.
قِيلَ لَهُ : لَوْ أَصَابَ دَاخِلَ عَيْنَيْهِ نَجَاسَةٌ لَمْ يَلْزَمْهُ تَطْهِيرُهَا، هَكَذَا كَانَ يَقُولُ أَبُو الْحَسَنِ ؛ وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِي دَاخِلِ الْعَيْنَيْنِ بَشَرَةٌ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ فِي الْجَنَابَةِ تَطْهِيرُ الْبَشَرَةِ.
فَإِنْ قِيلَ : لَمَّا كَانَ دَاخِلُ الْعَيْنَيْنِ بَاطِنًا وَلَمْ يَلْزَمْ تَطْهِيرُهُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ حُكْمُ دَاخِلِ الْأَنْفِ وَالْفَمِ.
قِيلَ لَهُ : وَكَيْفَ صَارَ دَاخِلُ الْعَيْنَيْنِ بَاطِنًا ؟ فَإِنْ أَرَدْت بِهِ أَنَّهُ يَنْطَبِقُ عَلَيْهِمَا الْجَفْنُ، فَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الْإِبِطَيْنِ لِأَنَّهُمَا يَنْطَبِقُ عَلَيْهِمَا الْعَضُدُ وَلَا خِلَافَ فِي لُزُومِ تَطْهِيرِهِمَا فِي الْجَنَابَةِ.
وَلَا يَلْزَمُنَا إيجَابُ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ فِي الْوُضُوءِ لِأَجْلِ إيجَابِنَا لَهُمَا فِي الْجَنَابَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْآيَةَ فِي إيجَابِ الْوُضُوءِ إنَّمَا اقْتَضَتْ غَسْلَ الْوَجْهِ، وَالْوَجْهُ هُوَ مَا وَاجَهَك، فَلَمْ يَتَنَاوَلْ دَاخِلَ الْأَنْفِ وَالْفَمِ، وَالْآيَةُ


الصفحة التالية
Icon