الطَّرِيقُ.
فَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ الْأَرْضِ فَهُوَ صَعِيدٌ فَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ بِظَاهِرِ الْآيَةِ.
فَإِنْ قِيلَ : إنَّمَا أَبَاحَ التَّيَمُّمَ بِالصَّعِيدِ الطَّيِّبِ، وَالْأَرْضُ الطَّيِّبَةُ هِيَ الَّتِي تُنْبِتُ، وَالْجِصُّ وَالزَّرْنِيخُ لَا يُنْبِتُ شَيْئًا، فَلَيْسَ إذًا بِطَيِّبٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ﴾.
قِيلَ لَهُ : إنَّمَا أَرَادَ بِالطَّيِّبِ الطَّاهِرَ الْمُبَاحَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ فَأَفَادَ بِذَلِكَ إيجَابَ التَّيَمُّمِ بِالصَّعِيدِ الطَّاهِرِ دُونَ النَّجِسِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ :﴿ وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ ﴾ فَإِنَّمَا يُرِيدُ بِهِ مَا لَيْسَ بِسَبْخَةٍ لِأَنَّهُ قَالَ :﴿ وَاَلَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إلَّا نَكِدًا ﴾ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ بِالسَّبْخَةِ الَّتِي لَا تُخْرِجُ مِثْلَ مَا يُخْرِجُ غَيْرُهَا، فَعَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالطَّيِّبِ مَا ذَكَرْت.
وَقَدْ رَوَى أَبُو ظَبْيَانِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :( الطَّيِّبُ الصَّعِيدُ الْجُرُزُ ) أَوْ قَالَ :( الْأَرْضُ الْجُرُزُ ).
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ : قُلْت لِعَطَاءٍ :﴿ فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ﴾ قَالَ : أَطْيَبُ مَا حَوْلَك.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا ﴾، وَهُوَ يَدُلُّ مِنْ وَجْهَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، أَحَدُهُمَا : إخْبَارُهُ أَنَّ الْأَرْضَ طَهُورٌ، فَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ الْأَرْضِ فَهُوَ طَهُورٌ بِمُقْتَضَى الْخَبَرِ.
وَالْآخَرُ : أَنَّ مَا جَعَلَهُ مِنْ الْأَرْضِ مَسْجِدًا هُوَ الَّذِي جَعَلَهُ طَهُورًا، وَسَائِرُ مَا ذُكِرَ هُوَ مِنْ الْأَرْضِ وَهِيَ مَسْجِدٌ، فَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ بِحَقِّ الْعُمُومِ.
وَرَوَى عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ أَعْرَابًا أَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَكُون فِي هَذِهِ الرِّمَالِ لَا نَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَفِينَا


الصفحة التالية
Icon