وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ :" لَوْ أَنَّ يَهُودِيَّا أَوَنَصْرَانِيًّا قَالَ أَنَا مُسْلِمٌ لَمْ يَكُنْ بِهَذَا الْقَوْلِ مُسْلِمًا ؛ لِأَنَّ كُلَّهُمْ يَقُولُونَ نَحْنُ مُسْلِمُونَ وَنَحْنُ مُؤْمِنُونَ يَقُولُونَ إنَّ دِينَنَا هُوَ الْإِيمَانُ وَهُوَ الْإِسْلَامُ، فَلَيْسَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى الْإِسْلَامِ مِنْهُمْ ".
وَقَالَ مُحَمَّدٌ :" وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَمَلَ عَلَى رِجْلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ لِيَقْتُلَهُ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ كَانَ هَذَا مُسْلِمًا، وَإِنْ رَجَعَ عَنْ هَذَا ضُرِبَ عُنُقُهُ ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الدَّلِيلُ عَلَى الْإِسْلَامِ ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : لَمْ يُجْعَلْ الْيَهُودِيُّ مُسْلِمًا بِقَوْلِهِ :" أَنَا مُسْلِمٌ أَوْ مُؤْمِنٌ " ؛ لِأَنَّهُمْ كَذَلِكَ يَقُولُونَ، وَيَقُولُونَ الْإِيمَانُ وَالْإِسْلَامُ هُوَ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ ؛ فَلَيْسَ فِي هَذَا الْقَوْلِ دَلِيلٌ عَلَى إسْلَامِهِ، وَلَيْسَ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَانُوا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا عَبَدَةَ أَوْثَانٍ، فَكَانَ إقْرَارُهُمْ بِالتَّوْحِيدِ وَقَوْلُ الْقَائِلِ مِنْهُمْ إنِّي مُسْلِمٌ وَإِنِّي مُؤْمِنٌ تَرْكًا لِمَا كَانَ عَلَيْهِ وَدُخُولًا فِي الْإِسْلَامِ، فَكَانَ يُقْتَصَرُ مِنْهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَسْمَحُ بِهِ إلَّا وَقَدْ صَدَّقَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآمَنَ بِهِ.
وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ ﴾ وَإِنَّمَا أَرَادَ الْمُشْرِكِينَ بِهَذَا الْقَوْلِ دُونَ الْيَهُودِ ؛ لِأَنَّ الْيَهُودَ قَدْ كَانُوا يَقُولُونَ :" لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " وَكَذَلِكَ النَّصَارَى يُطْلِقُونَ ذَلِكَ وَإِنْ نَاقَضُوا بَعْدَ ذَلِكَ فِي التَّفْصِيلِ فَيُثْبِتُونَهُ ثَلَاثَةً ؛ فَعَلِمْنَا أَنَّ قَوْلَ :" لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " إنَّمَا كَانَ عَلَمًا


الصفحة التالية
Icon