يُتَجَاوَزَ فِي قِتَالِهِمْ وَقَتْلِهِمْ مَا يَسْتَحِقُّونَ، وَأَنْ يَقْتَصِرَ بِهِمْ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ مِنْ الْقِتَالِ وَالْأَسْرِ وَالِاسْتِرْقَاقِ دُونَ الْمُثْلَةِ بِهِمْ وَتَعْذِيبِهِمْ وَقَتْلِ أَوْلَادِهِمْ وَنِسَائِهِمْ قَصْدًا لِإِيصَالِ الْغَمِّ وَالْأَلَمِ إلَيْهِمْ.
وَكَذَلِكَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ حِينَ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى خَيْبَرَ خَارِصًا، فَجَمَعُوا لَهُ شَيْئًا مِنْ حُلِيِّهِمْ وَأَرَادُوا دَفْعَهُ إلَيْهِ لِيُخَفِّفَ فِي الْخَرْصِ : إنَّ هَذَا سُحْتٌ وَإِنَّكُمْ لَأَبْغَضُ إلَيَّ مِنْ عِدَّتِكُمْ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ، وَمَا يَمْنَعُنِي ذَلِكَ مِنْ أَنْ أَعْدِلَ عَلَيْكُمْ فَقَالُوا : بِهَذَا قَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ.
فَإِنْ قِيلَ : لَمَّا قَالَ :﴿ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعَدْلَ نَفْسَهُ هُوَ التَّقْوَى، فَكَيْفَ يَكُونُ الشَّيْءُ هُوَ أَقْرَبُ إلَى نَفْسِهِ ؟ قِيلَ : مَعْنَاهُ : هُوَ أَقْرَبُ إلَى أَنْ تَكُونُوا مُتَّقِينَ بِاجْتِنَابِ جَمِيعِ السَّيِّئَاتِ، فَيَكُونُ الْعَدْلُ فِيمَا ذُكِرَ دَاعِيًا إلَى الْعَدْلِ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ وَاجْتِنَابِ جَمِيعِ الْمَعَاصِي ؛ وَيَحْتَمِلُ : هُوَ أَقْرَبُ لِاتِّقَاءِ النَّارِ.
وَقَوْلُهُ :﴿ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ فَقَوْلُهُ :" هُوَ " رَاجِعٌ إلَى الْمَصْدَرِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْفِعْلُ، كَأَنَّهُ قَالَ : الْعَدْلُ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى، كَقَوْلِ الْقَائِلِ : مَنْ كَذَبَ كَانَ شَرًّا لَهُ ؛ يَعْنِي كَانَ الْكَذِبُ شَرًّا لَهُ.