قَوْله تَعَالَى :﴿ إنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ ﴾ فَإِنَّهُ قَدْ قِيلَ إنَّ الْجَبَّارَ هُوَ مَنْ الْإِجْبَارِ عَلَى الْأَمْرِ وَهُوَ الْإِكْرَاهُ عَلَيْهِ، وَجَبَرَ الْعَظْمَ لِأَنَّهُ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى الصَّلَاحِ، وَالْجُبَارُ هَدْرُ الْأَرْشِ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْكُرْهِ، وَالْجُبَارُ مِنْ النَّخْلِ مَا فَاتَ الْيَدَ طُولًا لِأَنَّهُ كَالْجَبَّارِ مِنْ النَّاسِ، وَالْجَبَّارُ مِنْ النَّاسِ الَّذِي يُجْبِرُهُمْ عَلَى مَا يُرِيدُ.
وَالْجَبَّارُ صِفَةُ مَدْحٍ لَهُ تَعَالَى وَهُوَ ذَمٌّ فِي صِفَةِ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ يَتَعَظَّمُ بِمَا لَيْسَ لَهُ وَالْعَظَمَةُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحْدَهُ الْجَبَّارُ الْمُتَعَظِّمُ بِالِاقْتِدَارِ ؛ وَلَمْ يَزَلْ اللَّهُ جَبَّارًا، وَالْمَعْنَى أَنَّ ذَاتَه يَدْعُو الْعَارِفَ بِهِ إلَى تَعْظِيمِهِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجَبَّارِ وَالْقَهَّارِ أَنَّ فِي الْقَهَّارِ مَعْنَى الْغَالِبِ لِمَنْ نَاوَأَهُ أَوْ كَانَ فِي حُكْمِ الْمُنَاوِئِ بِعِصْيَانِهِ إيَّاهُ.
قَوْله تَعَالَى :﴿ قَالَ رَجُلَانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا اُدْخُلُوا عَلَيْهِمْ الْبَابَ ﴾ رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ :﴿ يَخَافُونَ ﴾ أَنَّهُمْ يَخَافُونَ اللَّهَ تَعَالَى.
وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعَلْمِ :" يَخَافُونَ الْجَبَّارِينَ " وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ الْخَوْفُ مِنْ أَنْ يَقُولُوا الْحَقَّ فَأَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهِمَا بِذَلِكَ فَدَلَّ عَلَى فَضِيلَةِ قَوْلِ الْحَقِّ عِنْدَ الْخَوْفِ وَشَرَفِ مَنْزِلَتِهِ ؛ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ مَخَافَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ الْحَقَّ إذَا رَآهُ وَعَلِمَهُ فَإِنَّهُ لَا يُبْعِدُ مِنْ رِزْقٍ وَلَا يُدْنِي مِنْ أَجَلٍ ﴾ وَقَالَ لِأَبِي ذَرٍّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ :﴿ وَأَنْ لَا يَأْخُذَك فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ ﴾ وَقَالَ حِينَ سُئِلَ عَنْ أَفْضَلِ الْجِهَادِ، فَقَالَ :﴿ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ.


الصفحة التالية
Icon