قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ ﴾.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَمُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ :" لَمْ يَدْرِ كَيْفَ يَصْنَعُ بِهِ حَتَّى رَأَى غُرَابًا جَاءَ يَدْفِنُ غُرَابًا مَيِّتًا " وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ مَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُمَا رَجُلَانِ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ قَدْ عَرَفَ الدَّفْنَ بِجَرَيَانِ الْعَادَةِ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَهُوَ الْأَصْلُ فِي سُنَّةِ دَفْنِ الْمَوْتَى ؛ وَقَالَ تَعَالَى :﴿ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ﴾ وَقَالَ تَعَالَى :﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ الْأَرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا ﴾.
وَقِيلَ فِي مَعْنَى :﴿ سَوْأَةَ أَخِيهِ ﴾ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : جِيفَةُ أَخِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ حَتَّى يُنْتِنَ لَقِيلَ لِجِيفَتِهِ سَوْأَةٌ.
وَالثَّانِي عَوْرَةُ أَخِيهِ ؛ وَجَائِزٌ أَنْ يُرِيدَ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا لِاحْتِمَالِهِمَا.
وَأَصْلُ السَّوْأَةِ التَّكَرُّهُ، وَمِنْهُ : سَاءَهُ يَسُوءُهُ سَوْءًا ؛ إذَا أَتَاهُ بِمَا يَتَكَرَّهُهُ وَقَصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا قِصَّتَهُ لِنَعْتَبِرَ بِهَا وَنَتَجَنَّبَ قُبْحَ مَا فَعَلَهُ الْقَاتِلُ مِنْهُمَا.
وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ إنَّ اللَّهَ ضَرَبَ لَكُمْ ابْنَيْ آدَمَ مَثَلًا فَخُذُوا مِنْ خَيِّرِهِمَا وَدَعُوا شَرَّهُمَا ﴾.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ ﴾ قِيلَ إنَّهُ نَدِمَ عَلَى الْقَتْلِ عَلَى غَيْرِ جِهَةِ الْقُرْبَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْهُ وَخَوْفِ عِقَابِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ نَدَمُهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِمَا فَعَلَ وَنَالَهُ ضَرَرٌ بِسَبَبِهِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، وَلَوْ نَدِمَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ لَقَبِلَ اللَّهُ تَوْبَتَهُ وَغَفَرَ ذَنْبَهُ.