حَدُّ الْمُحَارِبِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ﴾ الْآيَةَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : قَوْله تَعَالَى :﴿ يُحَارِبُونَ اللَّهَ ﴾ هُوَ مَجَازٌ لَيْسَ بِحَقِيقَةٍ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ يَسْتَحِيلُ أَنْ يُحَارَبَ ؛ وَهُوَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ سَمَّى الَّذِينَ يَخْرُجُونَ مُمْتَنِعِينَ مُجَاهِرِينَ بِإِظْهَارِ السِّلَاحِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ مُحَارِبِينَ لَمَّا كَانُوا بِمَنْزِلَةِ مَنْ حَارَبَ غَيْرَهُ مِنْ النَّاسِ وَمَانَعَهُ، فَسُمُّوا مُحَارِبِينَ تَشْبِيهًا لَهُمْ بِالْمُحَارَبِينَ مِنْ النَّاسِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ وَقَوْلُهُ :﴿ إنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ وَمَعْنَى الْمُشَاقَّةِ أَنْ يَصِيرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي شِقٍّ يُبَايِنُ صَاحِبَهُ وَمَعْنَى الْمُحَادَّةِ أَنْ يَصِيرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي حَدٍّ عَلَى وَجْهِ الْمُفَارَقَةِ وَذَلِكَ يَسْتَحِيلُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ؛ إذْ لَيْسَ بِذِي مَكَان فَيُشَاقُّ أَوْ يُحَادُّ أَوْ تَجُوزُ عَلَيْهِ الْمُبَايَنَةُ وَالْمُفَارَقَةُ، وَلَكِنَّهُ تَشْبِيهٌ بِالْمُعَادِيِّينَ إذَا صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي شِقٍّ وَنَاحِيَةٍ عَلَى وَجْهِ الْمُبَايَنَةِ.
وَذَلِكَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ فِي إظْهَارِ الْمُخَالَفَةِ وَالْمُبَايَنَةِ، فَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :﴿ يُحَارِبُونَ اللَّهَ ﴾ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونُوا سُمُّوا بِذَلِكَ تَشْبِيهًا بِمُظْهِرِي الْخِلَافِ عَلَى غَيْرِهِمْ وَمُحَارَبَتِهِمْ إيَّاهُمْ مِنْ النَّاسِ.
وَخُصَّتْ هَذِهِ الْفِرْقَةُ بِهَذِهِ السِّمَةِ لِخُرُوجِهَا مُمْتَنِعَةً بِأَنْفُسِهَا لِمُخَالَفَةِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَانْتِهَاكِ الْحَرِيمِ وَإِظْهَارِ السِّلَاحِ، وَلَمْ يُسَمَّ بِذَلِكَ كُلُّ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى ؛ إذْ لَيْسَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ فِي الِامْتِنَاعِ وَإِظْهَارِ الْمُغَالَبَةِ فِي أَخْذِ الْأَمْوَالِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ وَرَسُولَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :{ إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ