أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُرَادُ اللَّهِ فِي رُخْصَةِ الْمُسَافِرِ فِي الْإِفْطَارِ أَحَدَ شَيْئَيْنِ مِنْ إفْطَارٍ أَوْ صَوْمٍ وَرَدَ الْبَيَانُ مِنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَارَةً بِالْإِفْطَارِ وَتَارَةً بِالصَّوْمِ ؟ وَأَيْضًا لَمَّا صَلَّى عُثْمَانُ بِمِنًى أَرْبَعًا أَنْكَرَتْ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ ذَلِكَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ :﴿ صَلَّيْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ رَكْعَتَيْنِ وَمَعَ عُمَرَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ تَفَرَّقَتْ بِكُمْ الطُّرُقُ، فَلَوَدِدْت أَنَّ حَظِّي مِنْ أَرْبَعٍ رَكْعَتَانِ مُتَقَبَّلَتَانِ ﴾ ؛ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ مَنْ خَالَفَ السُّنَّةَ كَفَرَ ؛ وَقَالَ عُثْمَانُ : أَنَا إنَّمَا أَتْمَمْت ؛ لِأَنِّي تَأَهَّلْت بِهَذَا الْبَلَدِ وَسَمِعْت النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ :﴿ مَنْ تَأَهَّلَ بِبَلَدٍ فَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ ﴾، فَلَمْ يُخَالِفْهُمْ عُثْمَانُ فِي مَنْعِ الْإِتْمَامِ وَإِنَّمَا اعْتَذَرَ بِأَنَّهُ قَدْ تَأَهَّلَ بِمَكَّةَ فَصَارَ مِنْ أَهْلِهَا ؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُنَا فِي أَهْلِ مَكَّةَ إنَّهُمْ لَا يَقْصُرُونَ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ :" فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الصَّلَاةَ فِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ وَفِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا " وَقَالَتْ عَائِشَةُ :" أَوَّلُ مَا فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَانِ رَكْعَتَانِ ثُمَّ زِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ "، فَأَخْبَرَتْ أَنَّ فَرْضَ الْمُسَافِرِ فِي الْأَصْلِ رَكْعَتَانِ وَفَرْضَ الْمُقِيمِ أَرْبَعٌ كَفَرْضِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا كَمَا لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ اتِّفَاقُ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ لِلْمُسَافِرِ تَرْكُ الْأُخْرَيَيْنِ لَا إلَى بَدَلٍ وَمَتَى فَعَلَهُمَا فَإِنَّمَا يَفْعَلُهُمَا عَلَى وَجْهِ الِابْتِدَاءِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا نَفْلٌ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ صُورَةُ النَّفْلِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُخَيَّرًا بَيْنَ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ، وَإِذَا تَرَكَهُ تَرَكَهُ لَا إلَى بَدَلٍ.
وَاحْتَجَّ


الصفحة التالية
Icon