فَصْلٌ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَجَمِيعُ مَا قَدَّمْنَا فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ لِلْمُسَافِرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ سَائِرِ الْمُسَافِرِينَ رَكْعَتَانِ فِي أَيِّ شَيْءٍ كَانَ سَفَرُهُمْ مِنْ تِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْآثَارَ الْمَرْوِيَّةَ فِيهِ لَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ الْأَسْفَارِ.
وَقَدْ رَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ ﴿ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَتَّجِرُ إلَى الْبَحْرَيْنِ، فَقَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَمْ أُصَلِّي ؟ فَقَالَ : رَكْعَتَيْنِ ﴾.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ :" أَنَّهُمَا خَرَجَا إلَى الطَّائِفِ فَقَصَرَا الصَّلَاةَ ".
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ :" لَا تُقْصَرُ الصَّلَاةُ إلَّا فِي حَجٍّ أَوْ جِهَادٍ ".
وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ :" لَا أَرَى أَنْ يَقْصُرَ الصَّلَاةَ إلَّا مَنْ كَانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " فَإِنْ قِيلَ : لَمْ يَقْصُرْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا فِي حَجٍّ أَوْ جِهَادٍ.
قِيلَ لَهُ : لِأَنَّهُ لَمْ يُسَافِرْ إلَّا فِي حَجٍّ أَوْ جِهَادٍ ؛ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَصْرَ مَخْصُوصٌ بِالْحَجِّ وَالْجِهَادِ، وَقَوْلُ عُمَرَ ﴿ صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ ﴾ عُمُومٌ فِي سَائِرِ الْأَسْفَارِ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ ﴾ عَامٌّ أَيْضًا فِي سَائِرِ الْأَسْفَارِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ لِأَهْلِ مَكَّةَ ﴿ أَتِمُّوا فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ ﴾ وَلَمْ يَقُلْ " فِي حَجٍّ " دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْقَصْرِ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْمُسَافِرِينَ.
وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ حُكْمًا مُتَعَلِّقًا بِالسَّفَرِ وَجَبَ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ حُكْمُ الْأَسْفَارِ فِيهِ كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ ثَلَاثًا.
وَمَنْ يَتَأَوَّلُ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاةِ ﴾ عَلَى عَدَدِ الرَّكَعَاتِ يَحْتَجُّ بِعُمُومِهِ فِي جَمِيعِ الْأَسْفَارِ إذَا كَانَ خَائِفًا مِنْ الْعَدُوِّ، ثُمَّ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ إذَا كَانَ سَفَرُهُ


الصفحة التالية
Icon