وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُدَّةِ الَّتِي يُتِمُّ فِيهَا الصَّلَاةَ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا وَالثَّوْرِيُّ :" إذَا نَوَى إقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَتَمَّ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ قَصَرَ ".
وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ :" إذَا نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعٍ أَتَمَّ ".
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ :" إذَا نَوَى إقَامَةَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَتَمَّ وَإِنْ نَوَى أَقَلَّ قَصَرَ ".
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ :" إنْ مَرَّ الْمُسَافِرُ بِمِصْرِهِ الَّذِي فِيهِ أَهْلُهُ وَهُوَ مُنْطَلِقٌ مَاضٍ فِي سَفَرِهِ قَصَرَ فِيهِ الصَّلَاةَ مَا لَمْ يُقِمْ بِهِ عَشْرًا، وَإِنْ أَقَامَ بِهِ عَشْرًا أَوْ بِغَيْرِهِ أَتَمَّ الصَّلَاةَ ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ : أَنَّ ﴿ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ مَكَّةَ صَبِيحَةَ الرَّابِعَةِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فَكَانَ مُقَامُهُ إلَى وَقْتِ خُرُوجِهِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ وَكَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ ﴾ فَدَلَّ عَلَى سُقُوطِ اعْتِبَارِ الْأَرْبَعِ.
وَأَيْضًا رَوَى أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ قَالَا :" إذَا قَدِمْت بَلْدَةً وَأَنْتَ مُسَافِرٌ وَفِي نَفْسِك أَنْ تُقِيمَ بِهَا خَمْسَ عَشَرَةَ لَيْلَةً فَأَكْمِلْ الصَّلَاةَ بِهَا، وَإِنْ كُنْت لَا تَدْرِي مَتَى تَظْعَنُ فَاقْصُرْهَا " ؛ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ خِلَافُ ذَلِكَ فَثَبَتَتْ حُجَّتُهُ.
فَإِنْ قِيلَ : رَوَى عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ :" مَنْ أَجْمَعَ عَلَى أَرْبَعٍ وَهُوَ مُسَافِرٌ أَتَمَّ الصَّلَاةَ ".
قِيلَ لَهُ : رَوَى هُشَيْمٌ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ :" إذَا أَقَامَ الْمُسَافِرُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ لَيْلَةً أَتَمَّ الصَّلَاةَ وَمَا كَانَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَلْيَقْصُرْ "، وَإِنْ جَعَلْنَا الرِّوَايَتَيْنِ مُتَعَارِضَتَيْنِ سَقَطَتَا وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يُرْوَ عَنْهُ شَيْءٌ، وَلَوْ ثَبَتَتْ الرِّوَايَةُ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ مُعَارَضَةٍ لَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ خِلَافًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ ؛ وَأَيْضًا مُدَّةُ الْإِقَامَةِ