الرَّكْعَةَ الَّتِي لَمْ يُصَلُّوهَا مَعَ الْإِمَامِ، ثُمَّ تَنْصَرِفُ وَتَجِيءُ الطَّائِفَةُ الْأُولَى فَتَقْضِيَ بَقِيَّةَ صَلَاتِهَا ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَشَدُّ هَذِهِ الْأَقَاوِيلُ مُوَافَقَةً لِظَاهِرِ الْآيَةِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ :﴿ وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ ﴾، وَفِي ضِمْنِ ذَلِكَ أَنَّ طَائِفَةً مِنْهُمْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ :﴿ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ ﴾، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الطَّائِفَةَ الَّتِي بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ وَجَائِزٌ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الطَّائِفَةَ الْمُصَلِّيَةَ ؛ وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الطَّائِفَةُ الَّتِي بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ ؛ لِأَنَّهَا تَحْرُسُ هَذِهِ الْمُصَلِّيَةَ ؛ وَقَدْ عُقِلَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يَكُونُونَ جَمِيعًا مَعَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا مَعَ الْإِمَامِ لَمَا كَانَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ قَائِمَةً مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ يَكُونُونَ جَمِيعًا مَعَهُ، وَذَلِكَ خِلَافُ الْآيَةِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى :﴿ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ ﴾ وَعَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ يَقْضُونَ لِأَنْفُسِهِمْ وَلَا يَكُونُونَ مِنْ وَرَائِهِمْ إلَّا بَعْدَ الْقَضَاءِ.
وَفِي الْآيَةِ الْأَمْرُ لَهُمْ بِأَنْ يَكُونُوا بَعْدَ السُّجُودِ مِنْ وَرَائِهِمْ، وَذَلِكَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِنَا.
ثُمَّ قَالَ :﴿ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ ﴾ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَيَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْإِمَامَ يَجْعَلُهُمْ طَائِفَتَيْنِ فِي الْأَصْلِ : طَائِفَةٌ مَعَهُ، وَطَائِفَةٌ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ عَلَى مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ :﴿ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى ﴾ وَعَلَى مَذْهَبِ مُخَالِفِنَا هِيَ مَعَ الْإِمَامِ لَا تَأْتِيهِ.
وَالثَّانِي : قَوْلُهُ :﴿ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَك ﴾، وَذَلِكَ يَقْتَضِي نَفْيَ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ، وَمُخَالِفُنَا يَقُولُ : يَفْتَتِحُ الْجَمِيعُ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ فَيَكُونُونَ حِينَئِذٍ بَعْدَ الِافْتِتَاحِ فَاعِلِينَ لِشَيْءٍ مِنْ


الصفحة التالية
Icon