رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ مَارِيَةَ ؛ وَرُوِيَ أَنَّهُ حَرَّمَ الْعَسَلَ عَلَى نَفْسِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ وَأَمَرَهُ بِالْكَفَّارَةِ.
وَكَذَلِكَ قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعَلَمِ فِيمَنْ حَرَّمَ طَعَامًا أَوْ جَارِيَةً عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ إنْ أَكَلَ مِنْ الطَّعَامِ حَنِثَ، وَكَذَلِكَ إنْ وَطِئَ الْجَارِيَةَ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ.
وَفَرَّقَ أَصْحَابُنَا بَيْنَ مَنْ قَالَ :" وَاَللَّهِ لَا آكُلُ هَذَا الطَّعَامَ " وَبَيْنَ قَوْلِهِ :" حَرَّمْته عَلَى نَفْسِي " فَقَالُوا فِي التَّحْرِيمِ : إنْ أَكَلَ الْجُزْءَ مِنْهُ حَنِثَ، وَفِي الْيَمِينِ لَا يَحْنَثُ إلَّا بِأَكْلِ الْجَمِيعِ ؛ وَجَعَلُوا تَحْرِيمَهُ إيَّاهُ عَلَى نَفْسِهِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ :" وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت مِنْهُ شَيْئًا " ؛ إذْ كَانَ ذَلِكَ مُقْتَضَى لَفْظِ التَّحْرِيمِ فِي سَائِرِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى، مِثْلُ قَوْلِهِ :﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ ﴾ اقْتَضَى اللَّفْظُ تَحْرِيمَ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ، فَكَذَلِكَ تَحْرِيمُ الْإِنْسَانِ طَعَامًا يَقْتَضِي إيجَابَ الْيَمِينِ فِي أَكْلِ الْجُزْءِ مِنْهُ.
وَأَمَّا الْيَمِينُ بِاَللَّهِ فِي نَفْيِ أَكْلِ هَذَا الطَّعَامِ فَإِنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى الْأَيْمَانِ الْمُنْتَظِمَةِ لِلشُّرُوطِ وَالْجَوَابِ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ :" إنْ أَكَلْت هَذَا الطَّعَامَ فَعَبْدِي حَرٌّ " فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْبَعْضِ مِنْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ أَكْلَ الْجَمِيعِ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إسْرَائِيلَ إلَّا مَا حَرَّمَ إسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ ﴾ فَرُوِيَ أَنَّ إسْرَائِيلَ أَخَذَهُ عِرْقُ النَّسَا، فَحَرَّمَ أَحَبَّ الْأَشْيَاءِ إلَيْهِ وَهُوَ لُحُومُ الْإِبِلِ إنْ عَافَاهُ اللَّهُ، فَكَانَ ذَلِكَ تَحْرِيمًا صَحِيحًا حَاظِرًا لِمَا حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ.
قِيلَ لَهُ : هُوَ مَنْسُوخٌ بِشَرِيعَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.


الصفحة التالية
Icon