الْجَوْعَةِ، فَكَانَ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ بِإِعْطَاءِ الْعَشَرَةِ مَوْجُودًا فِي الْوَاحِدِ عِنْدَ تَكْرَارِ الدَّفْعِ وَالْإِطْعَامِ فِي عَدَدِ الْأَيَّامِ.
وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ إطْلَاقُ اسْمِ إطْعَامِ الْعَشَرَةِ عَلَى وَاحِدٍ بِتَكْرَارِ الدَّفْعِ ؛ إذْ كَانَ الْمَقْصِدُ فِيهِ تَكْرَارَ الدَّفْعِ لَا تَكْرَارَ الْمَسَاكِينِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :﴿ يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَهِلَّةِ ﴾ وَهُوَ هِلَالٌ وَاحِدٌ، فَأَطْلَقَ عَلَيْهِ اسْمَ الْجَمْعِ لِتَكْرَارِ الرُّؤْيَةِ فِي الشُّهُورِ.
وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالِاسْتِنْجَاءِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، وَلَوْ اسْتَنْجَى بِحَجَرٍ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ أَجْزَأَهُ.
وَكَذَلِكَ أَمَرَ بِرَمْيِ الْجِمَارِ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، وَلَوْ رَمَى بِحَصَاةٍ وَاحِدَةٍ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَجْزَأَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصِدَ فِيهِ حُصُولُ الرَّمْيِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَالْمَقْصِدَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ حُصُولُ الْمَسَحَاتِ دُونَ عَدَدِ الْأَحْجَارِ.
فَكَذَلِكَ لَمَّا كَانَ الْمَقْصِدُ فِي إخْرَاجِ الْكَفَّارَةِ سَدُّ جَوْعَةِ الْمَسَاكِينِ لَمْ يَخْتَلِفْ حُكْمُ الْوَاحِدِ إذَا تَكَرَّرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي الْأَيَّامِ وَبَيْنَ الْجَمَاعَةِ.
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى :﴿ أَوْ كِسْوَتُهُمْ ﴾ وَمَعْلُومٌ أَنَّ كِسْوَتَهُمْ عَشَرَةُ أَثْوَابٍ، فَصَارَ تَقْدِيرُهُ :" أَوْ عَشَرَةُ أَثْوَابٍ " ثُمَّ لَمْ يُخَصِّصْهَا بِمِسْكِينٍ وَاحِدٍ وَلَا بِجَمَاعَةٍ، فَوَجَبَ أَنْ يُجْزِيَ إعْطَاؤُهَا لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ أَعْطَيْت كِسْوَةَ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِسْكَيْنَا وَاحِدًا ؟ فَقَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ أَوْ كِسْوَتُهُمْ ﴾ يَدُلُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُورٍ عَلَى أَعْدَادِ الْمَسَاكِينِ عَشَرَةٌ، وَيَدُلُّ أَيْضًا مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ ذِكْرُ الطَّعَامِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا، وَلَا تُجْزِي الْكِسْوَةُ عِنْدَهُمْ إذَا أَعْطَاهَا مِسْكِينًا وَاحِدًا إلَّا أَنْ يُعْطِيَهُ كُلَّ يَوْمٍ ثَوْبًا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ مَا وَصَفْنَا فِي الطَّعَامِ مِنْ تَفْرِيقِهِ فِي الْأَيَّامِ، وَجَبَ مِثْلُهُ فِي