اللَّهِ وَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ تَفْسِيرِ الْخَمْرِ مَا هِيَ وَاللُّغَةُ الْقَائِمَةُ الْمَشْهُورَةُ وَالنَّظَرُ وَمَا يَعْرِفُهُ ذَوُو الْأَلْبَابِ بِعُقُولِهِمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ أَسْكَرَ فَهُوَ خَمْرٌ فَأَمَّا كِتَابُ اللَّهِ فَقَوْلُهُ :﴿ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا ﴾ فَعُلِمَ أَنَّ السُّكْرَ مِنْ الْعِنَبِ مِثْلُ السُّكْرِ مِنْ النَّخْلِ.
فَادَّعَى هَذَا الْقَائِلُ أَنَّ كِتَابَ اللَّهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا أَسْكَرَ فَهُوَ خَمْرٌ، ثُمَّ تَلَا الْآيَةَ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ أَنَّ السُّكْرَ مَا هُوَ وَلَا أَنَّ السُّكْرَ خَمْرٌ ؛ فَإِنْ كَانَ السُّكْرُ خَمْرًا عَلَى الْحَقِيقَةِ فَإِنَّمَا هُوَ الْخَمْرُ الْمُسْتَحِيلَةُ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ :﴿ وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ ﴾، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْآيَةَ مُقْتَضِيَةٌ لِإِبَاحَةِ السُّكْرِ الْمَذْكُورِ فِيهَا لِأَنَّهُ تَعَالَى اعْتَدَّ عَلَيْنَا فِيهَا بِمَنَافِعِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ كَمَا اعْتَدَّ بِمَنَافِعِ الْأَنْعَامِ وَمَا خَلَقَ فِيهَا مِنْ اللَّبَنِ، فَلَا دَلَالَةَ فِي الْآيَةِ إذًا عَلَى تَحْرِيمِ السُّكْرِ وَلَا عَلَى أَنَّ السُّكْرَ خَمْرٌ، وَلَوْ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ السُّكْرَ خَمْرٌ لَمَا دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْخَمْرَ تَكُونُ مِنْ كُلِّ مَا يُسْكِرُ ؛ إذْ فِيهَا ذِكْرُ الْأَعْنَابِ الَّتِي مِنْهَا تَكُونُ الْخَمْرُ الْمُسْتَحِيلَةُ مِنْ عَصِيرِهَا، فَكَانَتْ دَعْوَاهُ عَلَى الْكِتَابِ غَيْرَ صَحِيحَةٍ.
وَذَكَرَ مِنْ الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ السَّلَفِ، وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَهُ، وَذَكَرْنَا مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :﴿ كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ ﴾ وَ ﴿ كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ ﴾ وَ ﴿ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ ﴾ وَنَحْوَهَا مِنْ الْأَخْبَارِ.
وَالْمَعْنَى فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ حَالَ وُجُودِ الْإِسْكَارِ دُونَ غَيْرِهَا الْمُوَافِقِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَخْبَارِ النَّافِيَةِ لِكَوْنِهَا خَمْرًا وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ دَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ.
وَقَدْ تَوَاتَرَتْ