)، وَلَمَّا ذَكَرَ الْكَلْبَ الْعَقُورَ أَفَادَ بِذَلِكَ كَلْبًا مِنْ شَأْنِهِ الْعَدْوَ عَلَى النَّاسِ وَعَقْرِهِمْ، وَهَذِهِ صِفَةُ الذِّئْبِ، فَأَوْلَى الْأَشْيَاءِ بِالْكَلْبِ هَهُنَا الذِّئْبُ.
وَقَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا عَدَا عَلَى الْمُحْرِمِ وَابْتَدَأَهُ بِالْأَذَى فَجَائِزٌ لَهُ قَتْلُهُ مِنْ غَيْرِ فَدِيَةٍ لِأَنَّ فَحْوَى ذِكْرِهِ الْكَلْبَ الْعَقُورَ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ ابْتَدَأَهُ السَّبْعُ فَقَتَلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الَّذِي ابْتَدَأَ السَّبْعَ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى :﴿ لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ﴾.
وَاسْمُ الصَّيْدِ وَاقِعٌ عَلَى كُلِّ مُمْتَنِعِ الْأَصْلِ مُتَوَحِّشٍ، وَلَا يَخْتَصُّ بِالْمَأْكُولِ مِنْهُ دُونَ غَيْرِهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى :﴿ لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ ﴾ فَعَلَّقَ الْحُكْمَ مِنْهُ بِمَا تَنَالُهُ أَيْدِينَا وَرِمَاحُنَا، وَلَمْ يُخَصِّصْ الْمُبَاحَ مِنْهُ دُونَ الْمَحْظُورِ الْأَكْلِ.
ثُمَّ خَصَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَشْيَاءَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْخَبَرِ وَذَكَرَ مَعَهَا الْكَلْبَ الْعَقُورَ، فَكَانَ تَخْصِيصُهُ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَذِكْرُهُ لِلْكَلْبِ الْعَقُورِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا ابْتَدَأَ الْإِنْسَانَ بِالْأَذَى مِنْ الصَّيْدِ فَمُبَاحٌ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ الْمَذْكُورَةَ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَبْتَدِئَ بِالْأَذَى، فَجَعَلَ حُكْمَهَا حُكْمَ حَالِهَا فِي الْأَغْلَبِ وَإِنْ كَانَتْ قَدْ لَا تَبْتَدِئُ فِي حَالٍ ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ فِي الْأَشْيَاءِ بِالْأَعَمِّ الْأَكْثَرِ، وَلَا حُكْمَ لِلشَّاذِّ النَّادِرِ.
ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ الْكَلْبَ الْعَقُورَ وَقِيلَ هُوَ الْأَسَدُ فَإِنَّمَا أَبَاحَ قَتْلَهُ إذَا قَصَدَ بِالْعَقْرِ وَالْأَذَى، وَإِنْ كَانَ الذِّئْبُ فَذَلِكَ مِنْ شَأْنِهِ فِي الْأَغْلَبِ ؛ فَمَا خَصَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ بِالْخَبَرِ وَقَامَتْ دَلَالَتُهُ فَهُوَ مَخْصُوصٌ مِنْ عُمُومِ الْآيَةِ،