قَتْلِ مَنْ لَجَأَ إلَيْهِ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى :﴿ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ ﴾ وَالْمُرَادُ الْحَرَمُ.
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى ﴿ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ ﴾ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ :( هُوَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ ) فَأَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْوَاحِدِ ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ الْجِنْسَ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ : ثَلَاثَةٌ سَرْدٌ وَهِيَ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمِ، وَوَاحِدٌ فَرْدٌ وَهُوَ رَجَبُ ؛ فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ جَعَلَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَأْمَنُونَ فِيهَا وَيَتَصَرَّفُونَ فِيهَا فِي مَعَايِشِهِمْ، فَكَانَ فِيهِ قِوَامُهُمْ.
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ قِوَامِ النَّاسِ بِمَنَاسِكِ الْحَجِّ وَالْحَرَمَ وَالْأَشْهُرَ الْحُرُمِ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ مَعْلُومٌ مُشَاهَدٌ مِنْ ابْتِدَاءِ وَقْتِ الْحَجِّ فِي زَمَنِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إلَى زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَى آخِرِ الدَّهْرِ، فَلَا تَرَى شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ صَلَاحِ الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ بَعْدَ الْإِيمَانِ مَا تَعَلَّقَ بِالْحَجِّ، أَلَا تَرَى إلَى كَثْرَةِ مَنَافِعِ الْحَاجِّ فِي الْمَوَاسِمِ الَّتِي يَرِدُونَ عَلَيْهَا مِنْ سَائِرِ الْبُلْدَانِ الَّتِي يَجْتَازُونَ بِمِنًى وَبِمَكَّةَ إلَى أَنْ يَرْجِعُوا إلَى أَهَالِيِهِمْ وَانْتِفَاعِ النَّاسِ بِهِمْ وَكَثْرَةِ مَعَايِشِهِمْ وَتِجَارَاتِهِمْ مَعَهُمْ، ثُمَّ مَا فِيهِ مِنْ مَنَافِعِ الدِّينِ مِنْ التَّأَهُّبِ لِلْخُرُوجِ إلَى الْحَجِّ وَإِحْدَاثِ التَّوْبَةِ وَالتَّحَرِّي لَأَنْ تَكُونَ نَفَقَتُهُ مِنْ أَحَلِّ مَالِهِ، ثُمَّ احْتِمَالِ الْمَشَاقِّ فِي السَّفَرِ إلَيْهِ وَقَطْعِ الْمَخَاوِفِ وَمُقَاسَاةِ اللُّصُوصِ وَالْمُحْتَالِينَ فِي مَسِيرِهِمْ إلَى أَنْ يَبْلُغُوا مَكَّةَ، ثُمَّ الْإِحْرَامِ وَالتَّجَرُّدِ لِلَّهِ تَعَالَى وَالتَّشَبُّهِ بِالْخَارِجِينَ يَوْمَ النُّشُورِ مِنْ قُبُورِهِمْ إلَى عَرْصَةِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ كَثْرَةِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّلْبِيَةِ وَاللَّجَأِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِخْلَاصِ النِّيَّةِ لَهُ عِنْدَ