إلَى الْمَسْأَلَةِ مَعَ إمْكَانِ الِاجْتِزَاءِ بِحُكْمِ الْآيَةِ.
وَأَبْعَدُ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ قَوْلُ مَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْبُحَيْرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ سُؤَالُهُ عَنْ مَعْنَى الْبُحَيْرَةِ مَا هُوَ أَوْ عَنْ جَوَازِهَا.
وَقَدْ كَانَتْ الْبُحَيْرَةُ وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا أَسْمَاءٌ لِأَشْيَاءَ مَعْلُومَةٍ عِنْدَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَمْ يَكُونُوا يَحْتَاجُونَ إلَى الْمَسْأَلَةِ عَنْهَا ؛ وَلَا يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ السُّؤَالُ وَقَعَ عَنْ إبَاحَتِهَا وَجَوَازِهَا، لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ كُفْرًا يَتَقَرَّبُونَ بِهِ إلَى أَوْثَانِهِمْ، فَمَنْ اعْتَقَدَ الْإِسْلَامَ فَقَدْ عَلِمَ بُطْلَانَهُ.
وَقَدْ احْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ قَوْمٌ فِي حَظْرِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ، وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ إنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا فَحَرُمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ ﴾.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : لَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى حَظْرِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ بِهَا إلَى النَّهْيِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ عَنْ أَشْيَاءَ أَخْفَاهَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَاسْتَأْثَرَ بِعِلْمِهَا وَهُمْ غَيْرُ مُحْتَاجِينَ إلَيْهَا بَلْ عَلَيْهِمْ فِيهَا ضَرَرٌ إنْ أُبْدِيَتْ لَهُمْ، كَحَقَائِقِ الْأَنْسَابِ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ :﴿ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ ﴾ فَلَمَّا سَأَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ عَنْ حَقِيقَةِ خَلْقِهِ مِنْ مَاءِ مَنْ هُوَ دُونَ مَا حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ نِسْبَتِهِ إلَى الْفِرَاشِ، نَهَاهُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ الَّذِي قَالَ : أَيْنَ أَنَا ؟ لَمْ يَكُنْ بِهِ حَاجَةٌ إلَى كَشْفِ عَيْبِهِ فِي كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَكَسُؤَالِ آيَاتِ الْأَنْبِيَاءِ.
وَفِي فَحْوَى الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْحَظْرَ تَعَلَّقَ بِمَا وَصَفْنَا.
قَوْله تَعَالَى :{ قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ


الصفحة التالية
Icon