آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ } قَالَ :﴿ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ ﴾ يَعْنِي مِنْ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَمْ يَجْرِ لِلْقَبِيلَةِ ذِكْرٌ حَتَّى تَرْجِعَ إلَيْهِ الْكِنَايَةُ ؛ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكِنَايَةَ إنَّمَا تَرْجِعُ إمَّا إلَى مَظْهَرٍ مَذْكُورٍ فِي الْخِطَابِ أَوْ مَعْلُومٍ بِدَلَالَةِ الْحَالِ، فَلَمَّا لَمْ تَكُنْ هُنَا دَلَالَةٌ عَلَى الْحَالِ تَرْجِعُ الْكِنَايَةُ إلَيْهَا يَثْبُتُ أَنَّهَا رَاجِعَةٌ إلَى مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْخِطَابِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَصَحَّ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَاقْتَضَتْ الْآيَةُ جَوَازَ شَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى وَصِيَّةِ الْمُسْلِمِ فِي السَّفَرِ.
وَقَدْ رُوِيَ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى وَشُرَيْحٍ وَعِكْرِمَةَ وَقَتَادَةَ وُجُوهٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَأَشْبَهَهَا بِمَعْنَى الْآيَةِ مَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ : حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :﴿ خَرَجَ رِجْلٌ مِنْ بَنِي سَهْمٍ مَعَ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَعَدِيٍّ بْنِ بَدَاءٍ، فَمَاتَ السَّهْمِيُّ بِأَرْضٍ لَيْسَ بِهَا مُسْلِمٌ، فَلَمَّا قَدِمَا بِتَرِكَتِهِ فَقَدُوا جَامٌ فِضَّةٌ مُخَوَّصًا بِالذَّهَبِ، فَأَحْلَفَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ ثُمَّ وُجِدَ الْجَامُ بِمَكَّةَ فَقَالُوا : اشْتَرَيْنَاهُ مِنْ تَمِيمٍ وَعَدِيٍّ، فَقَامَ رَجُلَانِ مِنْ أَوْلِيَاءِ السَّهْمِيِّ فَحَلَفَا لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَأَنَّ الْجَامَ لَصَاحِبِهِمْ، قَالَ : فَنَزَلَتْ فِيهِمْ :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ ﴾.
فَأَحْلَفَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدِيًّا } لِأَنَّ الْوَرَثَةَ اتَّهَمُوهُمَا بِأَخْذِهِ، ثُمَّ لَمَّا ادَّعَيَا أَنَّهُمَا اشْتَرَيَا الْجَامَ مِنْ الْمَيِّتِ اسْتَحْلَفَ الْوَرَثَةَ وَجَعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَهُمْ فِي أَنَّهُ لَمْ