النَّصَارَى بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضِ إلَّا مِنْ رَبِيعَةَ، فَإِنِّي وَجَدْت عَنْهُ رَدَّهَا وَوَجَدْت عَنْهُ إجَازَتَهَا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : قَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَ الْآيَةِ عَلَى الْوُجُوهِ الَّتِي رُوِيَتْ فِيهَا عَنْ السَّلَفِ وَمَا نُسِخَ مِنْهَا وَمَا هُوَ مِنْهَا ثَابِتُ الْحُكْمِ، فَلْنَذْكُرْ الْآيَةَ عَلَى سِيَاقِهَا مَعَ بَيَانِ حُكْمِهَا عَلَى مَا اقْتَضَاهُ تَرْتِيبُهَا عَلَى السَّبَبِ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ، فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ : إنَّ قَوْله تَعَالَى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ ﴾ يَعْتَوِرُهُ مَعْنَيَانِ : أَحَدُهُمَا : شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ شَهَادَةُ اثْنَيْنِ ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ؛ فَحَذَفَ ذِكْرَ الشَّهَادَةِ.
الثَّانِيَةِ لِعِلْمِ الْمُخَاطَبِينَ بِالْمُرَادِ ؛ وَيَحْتَمِلُ : عَلَيْكُمْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ ؛ فَهُوَ أَمْرٌ بِإِشْهَادِ اثْنَيْنِ ذَوَيْ عَدْلٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الدَّيْنِ :﴿ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ﴾ فَأَفَادَ الْأَمْرَ بِإِشْهَادِ شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ آخَرَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَصِيَّةِ الْمُسْلِمِ فِي السَّفَرِ.
وَكَانَ نُزُولُهَا عَلَى السَّبَبِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قِصَّةِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَعَدِيِّ بْنِ بَدَاءٍ، فَذَكَرَ بَعْضَ السَّبَبِ فِي الْآيَةِ ثُمَّ قَالَ :﴿ إنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ ﴾ فَجَعَلَ شَرْطَ قَبُولِ شَهَادَةِ الذِّمِّيِّينَ عَلَى الْوَصِيَّةِ أَنْ تَكُونَ فِي حَالِ السَّفَرِ.
وَقَوْلُهُ :﴿ حِينَ الْوَصِيَّةِ ﴾ قَدْ تَضَمَّنَ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدَانِ هُمَا الْوَصِيَّيْنِ لِأَنَّ الْمُوصِيَ أَوْصَى إلَى ذِمِّيَّيْنِ، ثُمَّ جَاءَا فَشَهِدَا بِوَصِيَّةٍ، فَضَمِنَ ذَلِكَ جَوَازُ شَهَادَةِ الْوَصِيَّيْنِ عَلَى وَصِيَّةِ الْمَيِّتِ.
ثُمَّ قَالَ :﴿ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ ﴾ يَعْنِي قِصَّةَ الْمَيِّتِ الْمُوصِي.
قَالَ :﴿ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ ﴾ يَعْنِي لَمَّا اتَّهَمَهُمَا الْوَرَثَةُ فِي حَبْسِ شَيْءٍ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ وَأَخْذِهِ ؛ عَلَى مَا رَوَاهُ عِكْرِمَةُ فِي


الصفحة التالية
Icon