إلْزَامُهُ ذَكَاةً أُخْرَى لِفَوَاتِ ذَلِكَ مِنْهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِثْلَ نِسْيَانِ تَكْبِيرَةِ الصَّلَاةِ أَوْ نِسْيَانِ الطَّهَارَةِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّ الَّذِي يَلْزَمُهُ بَعْدَ الذِّكْرِ هُوَ فَرْضٌ آخَرُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَهُ فَرْضٌ آخَرُ فِي الذَّكَاةِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهَا.
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ كَانَتْ التَّسْمِيَةُ مِنْ شَرَائِطِ الذَّكَاةِ لَمَا أَسْقَطَهَا النِّسْيَانُ، كَتَرْكِ قَطْعِ الْأَوْدَاجِ.
وَهَذَا السُّؤَالُ لِلْفَرِيقَيْنِ : مَنْ أَسْقَطَ التَّسْمِيَةَ رَأْسًا، وَمَنْ أَوْجَبَهَا فِي حَالِ النِّسْيَانِ ؛ فَأَمَّا مَنْ أَسْقَطَهَا فَإِنَّهُ يَسْتَدِلُّ عَلَيْنَا بِاتِّفَاقِنَا عَلَى سُقُوطِهَا فِي حَالِ النِّسْيَانِ، وَشَرَائِطُ الذَّكَاةِ لَا يُسْقِطُهَا النِّسْيَانُ كَتَرْكِ قَطْعِ الْأَوْدَاجِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّسْمِيَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِيهَا، وَمَنْ أَوْجَبَهَا فِي حَالِ النِّسْيَانِ يُشَبِّهُهَا بِتَرْكِ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْأَوْدَاجِ نَاسِيَا أَوْ عَامِدًا أَنَّهُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الذَّكَاةِ.
فَأَمَّا مَنْ أَسْقَطَ فَرَضَ التَّسْمِيَةِ رَأْسًا فَإِنَّ هَذَا السُّؤَالَ لَا يَصِحُّ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ تَرْكَ الْكَلَامِ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ وَكَذَلِكَ فِعْلُ الطَّهَارَةِ وَهُمَا جَمِيعًا مِنْ شُرُوطِهَا، ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَ تَارِكِ الطَّهَارَةِ نَاسِيًا وَبَيْنَ الْمُتَكَلِّمِ فِي الصَّلَاةِ نَاسِيًا ؛ وَكَذَلِكَ النِّيَّةُ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّوْمِ وَتَرْكُ الْأَكْلِ أَيْضًا شَرْطٌ فِي صِحَّتِهِ، وَلَوْ تَرَكَ النِّيَّةَ نَاسِيًا لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ وَلَوْ أَكَلَ نَاسِيًا لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ، فَهَذَا سُؤَالٌ يَنْتَقِضُ عَلَى أَصْلِ هَذَا السَّائِلِ.
وَأَمَّا مَنْ أَوْجَبَهَا فِي حَالِ النِّسْيَانِ وَاسْتَدَلَّ بِقَطْعِ الْأَوْدَاجِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لَهُ ذَلِكَ أَيْضًا لِأَنَّ قَطْعَ الْأَوْدَاجِ هُوَ نَفْسُ الذَّبْحِ الَّذِي يُنَافِي مَوْتَهُ حَتْفَ أَنْفِهِ وَيَنْفَصِلُ بِهِ مِنْ الْمَيْتَةِ، وَالتَّسْمِيَةُ مَشْرُوطَةٌ لِذَلِكَ لَا عَلَى أَنَّهَا نَفْسُ الذَّبْحِ بَلْ هِيَ مَأْمُورٌ بِهَا عِنْدَهُ فِي حَالِ الذِّكْرِ دُونَ حَالِ النِّسْيَانِ، فَلَمْ يُخْرِجْهُ عَدَمُ