وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّة :﴿ تَرَوْنَ أَوْبَاشَ قُرَيْشٍ اُحْصُدُوهُمْ حَصْدًا ﴾، فَيَوْمَ حَصَادِهِ هُوَ يَوْمُ قَطْعِهِ، فَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ فِي الْخُضَرِ وَفِي كُلِّ مَا يُقْطَعُ مِنْ الثِّمَارِ عَنْ شَجَرَةٍ سَوَاءٌ كَانَ بَالِغًا أَوْ أَخْضَرَ رَطْبًا وَأَيْضًا قَدْ أَوْجَبَ الْآيَةُ الْعُشْرَ فِي ثَمَرِ النَّخْلِ عِنْدَ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ يَوْمُ قَطْعِهِ لِشُمُولِ اسْمِ الْحَصَادِ لِقَطْعِ ثَمَرِ النَّخْلِ، وَفَائِدَةُ ذِكْرِ الْحَصَادِ هَهُنَا أَنَّ الْحَقَّ غَيْرُ وَاجِبٍ إخْرَاجُهُ بِنَفْسِ خُرُوجِهِ وَبُلُوغِهِ حَتَّى يَحْصُلَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهُ، وَقَدْ كَانَ يَجُوزُ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْحَقَّ قَدْ لَزِمَهُ بِخُرُوجِهِ قَبْلَ قَطْعِهِ وَأَخْذِهِ، فَأَفَادَ بِذَلِكَ أَنَّ عَلَيْهِ زَكَاةَ مَا حَصَلَ فِي يَدِهِ دُونَ مَا تَلِفَ مِنْهُ وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ فِي يَدِهِ وَيَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْعُشْرِ فِي جَمِيعِ الْخَارِجِ قَوْله تَعَالَى :﴿ أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ ﴾ وَذَلِكَ عُمُومٌ فِي جَمِيعِ الْخَارِجِ.
فَإِنْ قِيلَ : النَّفَقَةُ لَا تُعْقَلْ مِنْهَا الصَّدَقَةُ قِيلَ لَهُ : هَذَا غَلَطٌ مِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا أَنَّ النَّفَقَةَ لَا يُعْقَلُ مِنْهَا غَيْرُ الصَّدَقَةِ، وَبِهَذَا وَرَدَ الْكِتَابُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ﴾ وَقَالَ تَعَالَى :﴿ وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ وَقَالَ تَعَالَى :﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً ﴾ الْآيَةُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْآيِ الْمُوجِبَةِ لِمَا ذَكَرْنَا.
وَأَيْضًا فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ ﴾ أَمْرٌ، وَهُوَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَلَيْسَ هَهُنَا نَفَقَةٌ وَاجِبَةٌ غَيْرُ الزَّكَاةِ وَالْعُشْرِ ؛ إذْ النَّفَقَةُ عَلَى عِيَالِهِ وَاجِبَةٌ