وَرِطَابٍ، إنَّ مُعَاذًا إنَّمَا أَمَرَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ النَّخْلِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْعِنَبِ.
فَهَذَا أَصْلُ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، وَهُوَ تَأْوِيلٌ لِحَدِيثِ مُعَاذٍ أَنَّهُ أَمَرَ بِالْأَخْذِ مِنْ الْأَصْنَافِ الَّتِي ذَكَرَ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ لَوْ ثَبَتَ دَلَالَةٌ عَلَى نَفْيِ الْحَقِّ عَمَّا سِوَاهَا ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُعَاذٌ إنَّمَا اسْتَعْمَلَ عَلَى هَذِهِ الْأَصْنَافِ دُونَ غَيْرِهَا وَأَيْضًا فَلَوْ اسْتَقَامَ سَنَدُ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ وَصَحَّتْ طَرِيقَتُهُ لَمْ يَجُزْ الِاعْتِرَاضُ بِهِ عَلَى خَبَرِ مُعَاذٍ فِي الْعُشْرِ وَنِصْفِ الْعُشْرِ ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ تَلَقَّاهُ النَّاسُ بِالْقَبُولِ وَاسْتَعْمَلُوهُ وَهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي اسْتِعْمَالِ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، وَمَتَى وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَانِ فَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اسْتِعْمَالِ أَحَدِهِمَا وَاخْتَلَفُوا فِي اسْتِعْمَالِ الْآخَرِ كَانَ الْمُتَّفَقُ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ قَاضِيًا عَلَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِ مِنْهُمَا خَاصًّا كَانَ ذَلِكَ أَوْ عَامًّا، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ :﴿ فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ ﴾ قَاضِيًا عَلَى خَبَرِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ :﴿ لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ ﴾ وَأَيْضًا يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُ هَذَا الْخَبَرِ فِيمَا يَمُرُّ بِهِ عَلَى الْعَاشِرِ عَلَى مَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْخُذُ مِنْهُ الْعُشْرَ، وَيَكُونُ خَبَرُ مُعَاذٍ :﴿ فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ ﴾ مُسْتَعْمَلًا فِي الْجَمِيعِ وَمِنْ جِهَةِ النَّظَرِ أَنَّ الْأَرْضَ يُقْصَدُ طَلَبُ نَمَائِهَا بِزِرَاعَتِهَا الْخَضْرَاوَاتِ كَمَا يُطْلَبُ نَمَاؤُهَا بِزِرَاعَتِهَا الْحَبَّ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا الْعُشْرُ كَالْحُبُوبِ، وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ الْحَطَبُ وَالْقَصَبُ وَالْحَشِيشُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَنْبُتُ فِي الْعَادَةِ إذَا صَادَفَهُ الْمَاءُ مِنْ غَيْرِ زِرَاعَةٍ وَلَيْسَ يَكَادُ يُقْصَدُ بِهَا الْأَرْضُ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَجِبْ فِيهَا شَيْءٌ، وَلَا خِلَافَ فِي نَفْيِ وُجُوبِ الْحَقِّ عَنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ.
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيمَا يَأْكُلُهُ رَبُّ النَّخْلِ


الصفحة التالية
Icon