مَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْبَيَانِ أَنْ يَكُونَ شَامِلًا لِجَمِيعِ مَا اقْتَضَى الْبَيَانُ، فَلَمَّا كَانَ خَبَرُ الْأَوْسَاقِ مَقْصُورًا عَلَى ذِكْرِ مِقْدَارِ الْوَسْقِ دُونَ غَيْرِهِ وَكَانَ خَبَرُ الْعُشْرِ عُمُومًا فِي الْمَوْسُوقِ وَغَيْرِهِ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ مَوْرِدَ الْبَيَانِ لِمِقْدَارِ مَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ وَأَيْضًا فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَا يُوسَقُ يُعْتَبَرُ فِي إيجَابِ الْحَقِّ بُلُوغُ مِقْدَارِهِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، وَمَا لَيْسَ بِمَوْسُوقٍ يَجِبُ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ.
وَفَقْدُ مَا يُوجِبُ تَخْصِيصَ مِقْدَارِ مَا لَا يَدْخُلُ فِي الْأَوْسَاقِ، وَهَذَا قَوْلٌ مَطْرُوحٌ وَالْقَائِلُ بِهِ سَاقِطٌ مَرْذُولٌ لِاتِّفَاقِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ عَلَى خِلَافِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ :﴿ فِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعَشْرِ ﴾ وَقَوْلُهُ :﴿ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ زَكَاةٌ، ﴾ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ مِنْ الرِّقَةِ إلَّا وَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْوَزْنِ، وَالْأَوَاقِي مَذْكُورَةٌ لِلْوَزْنِ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِمِقْدَارِ جَمِيعِ الرِّقَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْخَبَرِ الْآخَرِ وَأَيْضًا فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ لِلَّهِ حُقُوقًا وَاجِبَةً فِي الْمَالِ غَيْرَ الزَّكَاةِ ثُمَّ نُسِخَتْ بِالزَّكَاةِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَالضَّحَّاكِ قَالَا :﴿ نَسَخَتْ الزَّكَاةُ كُلَّ صَدَقَةٍ فِي الْقُرْآنِ ﴾، فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ هَذَا التَّقْدِيرُ مُعْتَبَرًا فِي الْحُقُوقِ الَّتِي كَانَتْ وَاجِبَةً فَنُسِخَتْ، نَحْوُ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ ﴾ وَنَحْوُ مَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ : إذَا حَصَدْت طَرَحْت لِلْمَسَاكِينِ وَإِذَا كَدَّسْت وَإِذَا نَقَّيْت، وَإِذَا عَلِمْت كَيْلَهُ عَزَلْت زَكَاتَهُ، وَهَذِهِ الْحُقُوقُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ الْيَوْمَ، فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَا رُوِيَ مِنْ تَقْدِيرِ الْخَمْسَةِ الْأَوْسُقِ كَانَ مُعْتَبَرًا فِي تِلْكَ الْحُقُوقِ


الصفحة التالية
Icon