قَوْلِهِمْ لَقَالَ : كَذَلِكَ كَذَبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، بِالتَّخْفِيفِ.
قِيلَ لَهُ : لَوْ كَانَ اللَّهُ قَدْ شَاءَ الْكُفْرَ مِنْهُمْ لَكَانَ احْتِجَاجُهُمْ صَحِيحًا وَلَكَانَ فِعْلُهُمْ طَاعَةً لِلَّهِ، فَلَمَّا أَبْطَلَ اللَّهُ احْتِجَاجَهُمْ بِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَشَأْ.
وَأَيْضًا فَقَدْ أَكْذَبَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا الْقَوْلِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ أَخْبَرَ بِتَكْذِيبِهِمْ بِالْحَقِّ وَالْمُكَذِّبُ بِالْحَقِّ لَا يَكُونُ إلَّا كَاذِبًا.
وَالثَّانِي : قَوْلُ :﴿ وَإِنْ أَنْتُمْ إلَّا تَخْرُصُونَ ﴾ يَعْنِي : تَكْذِبُونَ.
قَوْله تَعَالَى :﴿ قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمْ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا ﴾ الْآيَةُ.
يَعْنِي أَبْطَلَ لِعَجْزِهِمْ إقَامَةَ الدَّلَالَةِ، إلَّا أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا ؛ إذْ لَمْ يُمْكِنْهُمْ إثْبَاتُ مَا ادَّعَوْهُ مِنْ جِهَةِ عَقْلٍ وَلَا سَمْعٍ، وَمَا لَمْ يَثْبُتْ مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَلَيْسَ بِمَحْسُوسٍ مُشَاهَدٍ فَطَرِيقُ الْعِلْمِ بِهِ مُنْسَدٌّ وَالْحُكْمُ بِبُطْلَانِهِ وَاجِبٌ.
فَإِنْ قِيلَ : فَلِمَ دُعُوا لِلشَّهَادَةِ حَتَّى إذَا شَهِدُوا لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُمْ ؟ قِيلَ : لِأَنَّهُمْ لَمْ يَشْهَدُوا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي يَرْجِعُ مِنْ قَوْلِهِمْ فِيهِ إلَى ثِقَةٍ، وَقِيلَ إنَّهُمْ كَلَّفُوا شُهَدَاءَ مِنْ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ تَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِ حُجَّةٌ.
وَنَهَى عَنْ اتِّبَاعِ الْأَهْوَاءِ الْمُضِلَّةِ.
وَاعْتِقَادُ الْمَذَاهِبِ بِالْهَوَى يَكُونُ مِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا : هَوَى مَنْ سِيقَ إلَيْهِ، وَقَدْ يَكُونُ لِشُبْهَةٍ حَلَّتْ فِي نَفْسِهِ مَعَ زَوَاجِرِ عَقْلِهِ عَنْهَا، وَمِنْهَا هَوَى تَرْكِ الِاسْتِقْصَاءِ لِلْمَشَقَّةِ، وَمِنْهَا هَوَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةٌ لِأُلْفَةٍ لَهُ ؛ وَكُلُّ ذَلِكَ مُتَمَيِّزٌ مِمَّا اسْتَحْسَنَهُ بِعَقْلِهِ.