: أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَقِيلَ إنَّهُمْ إنَّمَا كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً لِأَنَّ الثِّيَابَ قَدْ دَنَّسَتْهَا الْمَعَاصِي فِي زَعْمِهِمْ فَيَتَجَرَّدُونَ مِنْهَا.
وَقِيلَ إنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ تَفَاؤُلًا بِالتَّعَرِّي مِنْ الذُّنُوبِ.
وَقَالَ بَعْضُ مَنْ يَحْتَجُّ لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ : إنَّ هَؤُلَاءِ السَّلَفَ لَمَّا ذَكَرُوا سَبَبَ نُزُولِ الْآيَةِ وَهُوَ طَوَافُ الْعُرْيَانِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهَا مَقْصُورًا عَلَيْهِ.
وَلَيْسَ هَذَا عِنْدَنَا كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ نُزُولَ الْآيَةِ عِنْدَنَا عَلَى سَبَبٍ لَا يُوجِبُ الِاقْتِصَارَ بِحُكْمِهَا عَلَيْهِ لِأَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَنَا لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِلسَّبَبِ.
وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَا ذُكِرَ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ وُجُوبَهُ فِي الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ السَّتْرُ فِي الطَّوَافِ فَهُوَ فِي الصَّلَاةِ أَوَجَبُ ؛ إذْ لَمْ يُفَرِّقْ أَحَدٌ بَيْنَهُمَا.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْنَعَ تَرْكُ السَّتْرِ صِحَّةَ الصَّلَاةِ كَمَا لَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ الطَّوَافِ الَّذِي فِيهِ نَزَلَتْ الْآيَةُ وَإِنْ وَقَعَ نَاقِصًا.
قِيلَ لَهُ : ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي بُطْلَانَ الْجَمِيعِ عِنْدَ عَدَمِ السَّتْرِ، وَلَكِنَّ الدَّلَالَةَ قَدْ قَامَتْ عَلَى جَوَازِ الطَّوَافِ مَعَ النَّهْيِ كَمَا يَجُوزُ الْإِحْرَامُ مَعَ السَّتْرِ وَإِنْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ، وَلَمْ تَقُمْ الدَّلَالَةُ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ عُرْيَانًا ؛ وَلِأَنَّ تَرْكَ بَعْضِ فُرُوضِ الصَّلَاةِ يُفْسِدُهَا مِثْلُ الطَّهَارَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ، وَتَرْكُ بَعْضِ فُرُوضِ الْإِحْرَامِ لَا يُفْسِدُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْإِحْرَامَ فِي الْوَقْتِ ثُمَّ أَحْرَمَ صَحَّ إحْرَامُهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَحْرَمَ وَهُوَ مُجَامِعٌ لِامْرَأَتِهِ وَقَعَ إحْرَامُهُ، فَصَارَ الْإِحْرَامُ آكِدًا فِي بَقَائِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ مِنْ مُوجِبَاتِ الْإِحْرَامِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُفْسِدَهُ تَرْكُ السَّتْرِ وَلَا يَمْنَعُ وُقُوعَهُ.
وَتَدُلُّ عَلَى أَنَّ