قَوْله تَعَالَى :﴿ إنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ ﴾ عَنَى بِالدُّعَاءِ الْأَوَّلِ تَسْمِيَتَهُمْ الْأَصْنَامَ آلِهَةً، وَالدُّعَاءِ الثَّانِي طَلَبَ الْمَنَافِعِ وَكَشْفَ الْمَضَارِّ مِنْ جِهَتِهِمْ، وَذَلِكَ مَيْئُوسٌ مِنْهُمْ.
وَقَوْلُهُ :﴿ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ﴾ قِيلَ : إنَّمَا سَمَّاهَا عِبَادًا لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَقِيلَ : لِأَنَّهُمْ تَوَهَّمُوا أَنَّهَا تَضُرُّ وَتَنْفَعُ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَيْسَ يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ حُكْمِ الْعِبَادِ الْمَخْلُوقِينَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ :﴿ إنَّ الَّذِينَ يَدْعُونَ هَذِهِ الْأَوْثَانَ مَخْلُوقَةٌ أَمْثَالُكُمْ ﴾.
قَوْله تَعَالَى :﴿ أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا ﴾ تَقْرِيعٌ لَهُمْ عَلَى عِبَادَتِهِمْ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ ؛ إذْ لَا شُبْهَةَ عَلَى أَحَدٍ فِي النَّاسِ أَنَّ مَنْ تَبِعَ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ فَهُوَ أَلْوَمُ مِمَّنْ عَبَدَ مَنْ لَهُ جَارِحَةٌ يُمْكِنُ أَنْ يَنْفَعَ بِهَا أَوْ يَضُرَّ وَقِيلَ : إنَّهُ قَدَّرَهُمْ أَنَّهُمْ أَفْضَلُ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ لَهُمْ جَوَارِحَ يَتَصَرَّفُونَ بِهَا وَالْأَصْنَامُ لَا تَصَرُّفَ لَهَا، فَكَيْفَ يَعْبُدُونَ مَنْ هُمْ أَفْضَلُ مِنْهُ وَالْعَجَبُ مِنْ أَنَفَتِهِمْ مِنْ اتِّبَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ مَا أَيَّدَهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْآيَاتِ الْمُعْجِزَةِ وَالدَّلَائِلِ الْبَاهِرَةِ لِأَنَّهُ بَشَرٌ مِثْلُهُمْ، وَلَمْ يَأْنَفُوا مِنْ عِبَادَةِ حَجَرٍ لَا قُدْرَةَ لَهُ وَلَا تَصَرُّفَ وَهُمْ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي الْقُدْرَةِ عَلَى النَّفْعِ وَالضُّرِّ وَالْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ.