قَوْله تَعَالَى :﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ إنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ قِيلَ فِي نَزْغِ الشَّيْطَانِ إنَّهُ الْإِغْوَاءُ بِالْوَسْوَسَةِ، وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ عِنْدَ الْغَضَبِ وَقِيلَ إنَّ أَصْلَهُ الْإِزْعَاجُ بِالْحَرَكَةِ إلَى الشَّرِّ، وَيُقَالُ : هَذِهِ نَزْغَةٌ مِنْ الشَّيْطَانِ، لِلْخَصْلَةِ الدَّاعِيَةِ إلَيْهِ.
فَلَمَّا عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى نَزْغَ الشَّيْطَانِ إيَّانَا إلَى الشَّرِّ عَلِمْنَا كَيْفَ الْخَلَاصُ مِنْ كَيْدِهِ وَشَرِّهِ بِالْفَزَعِ إلَيْهِ وَالِاسْتِعَاذَةِ بِهِ مِنْ نَزْغِ الشَّيْطَانِ وَكَيْدِهِ، وَبَيَّنَ بِالْآيَةِ الَّتِي بَعْدَهَا أَنَّهُ مَتَى لَجَأَ الْعَبْدُ إلَى اللَّهِ وَاسْتَعَاذَ مِنْ نَزْغِ الشَّيْطَانِ حَرَسَهُ مِنْهُ وَقَوَّى بَصِيرَتَهُ بِقَوْلِهِ :﴿ إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : الطَّيْفُ هُوَ النَّزْغُ.
وَقَالَ غَيْرُهُ :﴿ الْوَسْوَسَةُ ﴾.
وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَتَى اسْتَعَاذَ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ أَعَاذَهُ مِنْهُ وَازْدَادَ بَصِيرَةً فِي رَدِّ وَسْوَاسِهِ وَالتَّبَاعُدِ مِمَّا دَعَاهُ إلَيْهِ، وَرَآهُ فِي أَخَسِّ مَنْزِلَةٍ وَأَقْبَحِ صُورَةٍ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ سُوءِ عَاقِبَتِهِ إنْ وَافَقَهُ وَهَوَّنَ عِنْدَهُ دَوَاعِيَ شَهْوَتِهِ.
قَوْله تَعَالَى :﴿ وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ ﴾ قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ : إخْوَانُ الشَّيَاطِينِ فِي الضَّلَالِ يَمُدُّهُمْ الشَّيْطَانُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ : إخْوَانُ الْمُشْرِكِينَ مِنْ الشَّيْطَانِ.
وَسَمَّاهُمْ إخْوَانًا لِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الضَّلَالَةِ، كَالْإِخْوَةِ مِنْ النَّسَبِ فِي التَّعَاطُفِ بِهِ وَحُنَيْنِ بَعْضِهِمْ إلَى بَعْضٍ لِأَجْلِهِ، كَمَا سَمَّى الْمُؤْمِنِينَ إخْوَانًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ ﴾ لِتَعَاطُفِهِمْ وَتَوَاصُلِهِمْ بِالدِّينِ ؛ فَأَخْبَرَ عَنْ حَالِ مَنْ اسْتَعَاذَ بِاَللَّهِ مِنْ نَزْغِ الشَّيْطَانِ وَوَسَاوِسِهِ فِي بَصِيرَتِهِ وَمَعْرِفَتِهِ بِقُبْحِ مَا يَدْعُوهُ


الصفحة التالية
Icon