قَوْله تَعَالَى :﴿ وَاذْكُرْ رَبَّك فِي نَفْسِك تَضَرُّعًا وَخِيفَةً ﴾.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : الذِّكْرُ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : الْفِكْرُ فِي عَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ وَدَلَائِلِ قُدْرَتِهِ وَآيَاتِهِ، وَهَذَا أَفْضَلُ الْأَذْكَارِ ؛ إذْ بِهِ يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ عَلَى سَائِرِ الْأَذْكَارِ سِوَاهُ، وَبِهِ يَتَوَصَّلُ إلَيْهِ.
وَالذِّكْرُ الْآخَرُ : الْقَوْلُ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ الذِّكْرُ دُعَاءً وَقَدْ يَكُونُ ثَنَاءً عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَكُونُ قِرَاءَةً لِلْقُرْآنِ وَيَكُونُ دُعَاءً لِلنَّاسِ إلَى اللَّهِ ؛ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الذِّكْرَيْنِ جَمِيعًا مِنْ الْفِكْرِ وَالْقَوْلِ فَيَكُونُ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَاذْكُرْ رَبَّك فِي نَفْسِك ﴾ هُوَ الْفِكْرُ فِي دَلَائِلِ اللَّهِ وَآيَاتِهِ.
وقَوْله تَعَالَى :﴿ وَدُونَ الْجَهْرِ مِنْ الْقَوْلِ ﴾ فِيهِ نَصَّ عَلَى الذِّكْرِ بِاللِّسَانِ، وَهَذَا الذِّكْرُ يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَجَائِزٌ أَنْ يُرِيدَ الدُّعَاءَ، فَيَكُونَ الْأَفْضَلُ فِي الدُّعَاءِ الْإِخْفَاءَ، عَلَى نَحْوِ قَوْله تَعَالَى :﴿ اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ﴾ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ كَانَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ :﴿ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِك وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا ﴾ وَقِيلَ : إنَّمَا كَانَ إخْفَاءُ الدُّعَاءِ أَفْضَلَ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الرِّيَاءِ وَأَقْرَبُ مِنْ الْإِخْلَاصِ وَأَجْدَرُ بِالِاسْتِجَابَةِ ؛ إذْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتُهُ.
وَقِيلَ : إنَّ ذَلِكَ خِطَابٌ لِلْمُسْتَمِعِ لِلْقُرْآنِ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ :﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا ﴾.
وَقِيلَ : إنَّهُ خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمَعْنَى عَامٌّ لِسَائِرِ الْمُكَلَّفِينَ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَعَلَا :﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ ﴾.
وَقَالَ قَتَادَةُ : الْآصَالُ الْعَشِيَّاتُ.
آخِرُ سُورَةِ الْأَعْرَافِ


الصفحة التالية
Icon