فُسْحَةٍ أَوْ مِنْ سَعَةٍ إلَى مَضِيقٍ أَوْ يَكْمُنُوا لِعَدُوِّهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَكُونُ فِيهِ انْصِرَافٌ عَنْ الْحَرْبِ، أَوْ مُتَحَيِّزِينَ إلَى فِئَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَهُمْ مَعَهُمْ.
فَإِذَا بَلَغُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ ذَكَرَ أَنَّ الْجَيْشَ إذَا بَلَغُوا كَذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَفِرُّوا مِنْ عَدُوِّهِمْ وَإِنْ كَثُرَ عَدَدُهُمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِيهِ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ خَيْرُ الْأَصْحَابِ أَرْبَعَةٌ وَخَيْرُ السَّرَايَا أَرْبَعُ مِائَةٍ وَخَيْرُ الْجُيُوشِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، وَلَنْ يُؤْتَى اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ وَلَنْ يُغْلَبَ، وَفِي بَعْضِهَا : مَا غُلِبَ قَوْمٌ يَبْلُغُونَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا إذَا اجْتَمَعَتْ كَلِمَتُهُمْ.
﴾ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ مَالِكًا سُئِلَ فَقِيلَ لَهُ : أَيَسَعُنَا التَّخَلُّفُ عَنْ قِتَالِ مَنْ خَرَجَ عَنْ أَحْكَامِ اللَّهِ وَحَكَمَ بِغَيْرِهَا ؟ فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ : إنْ كَانَ مَعَك اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِثْلَك لَمْ يَسَعْك التَّخَلُّفُ وَإِلَّا فَأَنْتَ فِي سَعَةٍ مِنْ التَّخَلُّفِ ؛ وَكَانَ السَّائِلُ لَهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ.
وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ.
وَاَلَّذِي رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا فَهُوَ أَصْلٌ فِي هَذَا الْبَابِ وَإِنْ كَثُرَ عَدَدُ الْمُشْرِكِينَ، فَغَيْرُ جَائِزٍ لَهُمْ أَنْ يَفِرُّوا مِنْهُمْ وَإِنْ كَانُوا أَضْعَافَهُمْ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ إذَا اجْتَمَعَتْ كَلِمَتُهُمْ ﴾ وَقَدْ أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ جَمْعَ كَلِمَتِهِمْ.