فَإِنَّ سَهْمَ الْكَعْبَةِ لَيْسَ بِأَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ مَنْسُوبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ سَائِرِ السِّهَامِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ إذْ كُلُّهَا مَصْرُوفٌ فِي وُجُوهِ الْقُرَبِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ :﴿ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ﴾ غَيْرُ مَخْصُوصٍ بِسَهْمِ الْكَعْبَةِ، فَلَمَّا بَطَلَ ذَلِكَ لَمْ يَخْلُ الْمُرَادُ بِذَلِكَ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ : إمَّا أَنْ يَكُونَ مِفْتَاحًا لِلْكَلَامِ عَلَى مَا حَكَيْنَاهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ وَعَلَى وَجْهِ تَعْلِيمِنَا التَّبَرُّكَ بِذِكْرِ اللَّهِ وَافْتِتَاحَ الْأُمُورِ بِاسْمِهِ، أَوْ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْخُمُسَ مَصْرُوفٌ فِي وُجُوهِ الْقُرَبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ؛ ثُمَّ بَيَّنَ تِلْكَ الْوُجُوهَ فَقَالَ :﴿ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ﴾ الْآيَةَ، فَأَجْمَلَ بَدِيًّا حُكْمَ الْخُمُسِ ثُمَّ فَسَّرَ الْوُجُوهَ الَّتِي أَجْمَلَهَا.
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ أَرَادَ مَا قُلْت لَقَالَ : فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ لِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى، وَلَمْ يَكُنْ يُدْخِلُ الْوَاوَ بَيْنَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْمِ رَسُولِ اللَّهِ.
قِيلَ لَهُ : لَا يَجِبُ ذَلِكَ، مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ جَائِزٌ فِي اللُّغَةِ إدْخَالُ الْوَاوِ وَالْمُرَادُ إلْغَاؤُهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى :﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً ﴾ وَالْوَاوُ مُلْغَاةٌ وَالْفُرْقَانُ ضِيَاءٌ، وَقَالَ تَعَالَى :﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ﴾ مَعْنَاهُ : لَمَّا أَسْلَمَا تَلَّهُ لِلْجَبِينِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ :﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا ﴾ يَقْتَضِي جَوَابًا وَجَوَابُهُ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ ؛ وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ : بَلَى شَيْءٌ يُوَافِقُ بَعْضَ شَيْءٍ وَأَحْيَانًا وَبَاطِلُهُ كَثِيرُ وَمَعْنَاهُ : يُوَافِقُ بَعْضَ شَيْءٍ أَحْيَانًا، وَالْوَاوُ مُلْغَاةٌ ؛ وَكَمَا قَالَ الْآخَرُ : فَإِنَّ رَشِيدًا وَابْنَ مَرْوَانَ لَمْ يَكُنْ لِيَفْعَلَ حَتَّى يُصْدِرَ الْأَمْرَ مَصْدَرَا وَمَعْنَاهُ : فَإِنَّ رَشِيدَ بْنَ مَرْوَانَ ؛ وَقَالَ الْآخَرُ : إلَى الْمَلِكِ الْقَرْمِ وَابْنِ الْهُمَامِ وَلَيْثِ الْكَتِيبَةِ فِي الْمُزْدَحَمِ وَالْوَاوُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ