مَفَاتِحَهُ } فَأَبَاحَ تَعَالَى الْأَكْلَ مِنْ بُيُوتِ هَؤُلَاءِ، وَقَدْ اقْتَضَى ذَلِكَ إبَاحَةَ الدُّخُولِ إلَيْهَا بِغَيْرِ إذْنِهِمْ ؛ فَإِذَا جَازَ لَهُمْ دُخُولُهَا لَمْ يَكُنْ مَا فِيهَا مُحْرَزًا عَنْهُمْ، وَلَا قَطْعَ إلَّا فِيمَا سُرِقَ مِنْ حِرْزٍ وَأَيْضًا إبَاحَةُ أَكْلِ أَمْوَالِهِمْ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْقَطْعِ فِيهَا، لِمَا لَهُمْ فِيهَا مِنْ الْحَقِّ كَالشَّرِيكِ وَنَحْوِهِ.
فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ قَالَ :﴿ أَوْ صَدِيقِكُمْ ﴾ وَيُقْطَعُ فِيهِ مَعَ ذَلِكَ إذَا سَرَقَ مِنْ صَدِيقِهِ.
قِيلَ لَهُ ظَاهِرُ الْآيَةِ يَنْفِي الْقَطْعَ مِنْ الصَّدِيقِ أَيْضًا، وَإِنَّمَا خَصَّصْنَاهُ بِدَلَالَةِ الِاتِّفَاقِ وَدَلَالَةُ اللَّفْظِ قَائِمَةٌ فِيمَا عَدَاهُ ؛ وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ صَدِيقًا إذَا قَصَدَ السَّرِقَةَ.
وَدَلِيلٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عِنْدَنَا وُجُوبُ نَفَقَةِ هَؤُلَاءِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَجَوَازُ أَخْذِهَا مِنْهُ بِغَيْرِ بَدَلٍ، فَأَشْبَهَ السَّارِقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، لِثُبُوتِ حَقِّهِ فِيهِ بِغَيْرِ بَدَلٍ يَلْزَمُهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ.
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ ثَبَتَ هَذَا الْحَقُّ عِنْدَ الضَّرُورَةِ فِي مَالِ الْأَجْنَبِيِّ وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ الْقَطْعِ بِالسَّرِقَةِ مِنْهُ.
قِيلَ لَهُ : يُعْتَرَضَانِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدِهِمَا : أَنَّهُ فِي مَالِ الْأَجْنَبِيِّ يَثْبُتُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَخَوْفِ التَّلَفِ وَفِي مَالِ هَؤُلَاءِ يَثْبُتُ بِالْفَقْرِ وَتَعَذُّرِ الْكَسْبِ، وَالْوَجْهِ الْآخَرِ : أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ يَأْخُذُهُ بِبَدَلٍ وَهَؤُلَاءِ يَسْتَحِقُّونَهُ بِغَيْرِ بَدَلٍ كَمَالِ بَيْتِ الْمَالِ.
وَأَيْضًا فَلَمَّا اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ إحْيَاءَ نَفْسِهِ وَأَعْضَائِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ، وَكَانَ هَذَا السَّارِقُ مُحْتَاجًا إلَى هَذَا الْمَالِ فِي إحْيَاءِ يَدِهِ لِسُقُوطِ الْقَطْعِ، صَارَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْفَقِيرِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِنْهُ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ لِإِحْيَاءِ نَفْسِهِ أَوْ بَعْضِ أَعْضَائِهِ.
وَأَيْضًا فَهُوَ مَقِيسٌ عَلَى الْأَبِ بِالْمَعْنَى الَّذِي قَدَّمْنَاهُ ؛ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.


الصفحة التالية
Icon