الِاخْتِلَالِ وَالتَّنَاقُضِ خَارِجٌ عَنْ قَوْلِ الْأُمَّةِ سَلَفِهَا وَخَلَفِهَا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ النَّقْلِ وَالْمُفَسِّرُونَ فِي أَنَّ الْفَرْضَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ مُقَاوَمَةُ الْوَاحِدِ لِلْعَشَرَةِ وَمَعْلُومٌ أَيْضًا أَنَّ قَوْله تَعَالَى ﴿ إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ﴾ وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ لَفْظَ الْخَبَرِ فَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ ﴾ وقَوْله تَعَالَى ﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ﴾ وَلَيْسَ هُوَ إخْبَارًا بِوُقُوعِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ بِأَنْ لَا يَفِرَّ الْوَاحِدُ مِنْ الْعَشَرَةِ وَلَوْ كَانَ هَذَا خَبَرًا لَمَا كَانَ لِقَوْلِهِ ﴿ الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ ﴾ مَعْنًى لِأَنَّ التَّخْفِيفَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَأْمُورِ بِهِ لَا فِي الْمُخْبَرِ عَنْهُ وَمَعْلُومٌ أَيْضًا أَنَّ الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا مَأْمُورِينَ بِأَنْ يُقَاوِمَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ الْعَشَرَةَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ دَاخِلُونَ فِي قَوْلِهِ ﴿ الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ﴾ فَلَا مَحَالَةَ قَدْ وَقَعَ النَّسْخُ عَنْهُمْ فِيمَا كَانُوا تَعَبَّدُوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ أُولَئِكَ الْقَوْمُ قَدْ نَقَصَتْ بَصَائِرُهُمْ وَلَا قَلَّ صَبْرُهُمْ وَإِنَّمَا خَالَطَهُمْ قَوْمٌ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِثْلُ بَصَائِرِهِمْ وَنِيَّاتِهِمْ وَهُمْ الْمَعْنِيُّونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ﴾ فَبَطَلَ بِذَلِكَ قَوْلُ هَذَا الْقَائِلِ بِمَا وَصَفْنَا وَقَدْ أَقَرَّ هَذَا الْقَائِلُ أَنَّ بَعْضَ التَّكْلِيفِ قَدْ زَالَ مِنْهُمْ بِالْآيَةِ الثَّانِيَةِ وَهَذَا هُوَ مَعْنَى النَّسْخِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.


الصفحة التالية
Icon