قَوْله تَعَالَى ﴿ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا ﴾ فِيهِ إبَاحَةُ الْغَنَائِمِ، وَقَدْ كَانَتْ مَحْظُورَةً قَبْلَ ذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا حَدِيثَ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ ﴿ لَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لِقَوْمٍ سُودِ الرُّءُوسِ قَبْلَكُمْ ﴾.
وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ ﴿ أُعْطِيت خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَنُصِرْت بِالرُّعْبِ وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ، وَأُرْسِلْت إلَى الْأَحْمَرِ وَالْأَبْيَضِ، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ ﴾ فَأَخْبَرَ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ أَنَّ الْغَنَائِمَ لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ، وَأُمَمِهَا قَبْلَهُ وقَوْله تَعَالَى ﴿ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ ﴾ قَدْ اقْتَضَى وُقُوعَ مِلْكِ الْغَنَائِمِ لَهُمْ إذَا أَخَذُوا، وَإِنْ كَانَ الْمَذْكُورُ فِي لَفْظِ الْآيَةِ هُوَ الْأَكْلَ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْأَكْلَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ مُعْظَمُ مَنَافِعِ الْأَمْلَاكِ ؛ إذْ بِهِ قِوَامُ الْأَبْدَانِ، وَبَقَاءُ الْحَيَاةِ، وَأَرَادَ بِذَلِكَ تَمْلِيكَ سَائِرِ وُجُوهِ مَنَافِعِهَا، وَهُوَ كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ ﴾ فَخَصَّ اللَّحْمَ بِذَلِكَ، وَالْمُرَادُ جَمِيعُ أَجْزَائِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُبْتَغَى مَنَافِعِهِ، وَمُعْظَمُهَا فِي لُحُومِهِ، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿ إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ﴾ فَخَصَّ الْبَيْعَ بِالْحَظْرِ فِي تِلْكَ الْحَالِ.
وَالْمُرَادُ سَائِرُ مَا يَشْغَلُ عَنْ الصَّلَاةِ، وَكَانَ وَجْهُ تَخْصِيصِهِ أَنَّهُ مُعْظَمُ مَنَافِعِ التَّصَرُّفِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَإِذَا كَانَ مُعْظَمُهُ مَحْظُورًا فَمَا دُونَهُ أَوْلَى بِذَلِكَ، وَذَلِكَ فِي مَفْهُومِ اللَّفْظِ، وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى ﴿ إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا ﴾ فَخَصَّ الْأَكْلَ بِالذِّكْرِ، وَدَلَّ بِهِ عَلَى حَظْرِ الْأَخْذِ وَالْإِتْلَافِ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْأَكْلِ فَهَذَا حُكْمُ اللَّفْظِ إذَا


الصفحة التالية
Icon