كَانَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، ثُمَّ صَارَ الْحَجُّ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، وَهِيَ السَّنَةُ الَّتِي حَجَّ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْحِجَّةِ، وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي وَقَّتَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْحَجِّ ؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يُنْسِئُونَ الشُّهُورَ، فَاتَّفَقَ عَوْدُ الْحَجِّ فِي السَّنَةِ الَّتِي حَجَّ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْوَقْتِ الَّذِي فَرَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ بَدِيًّا عَلَى إبْرَاهِيمِ وَأَمَرَهُ فِيهِ بِدُعَاءِ النَّاسِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ :﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوك رِجَالًا ﴾ وَلِذَلِكَ ﴿ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَاتٍ : أَلَا إنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴾ فَثَبَتَ الْحَجُّ فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالنَّحْرُ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنْهُ ؛ فَهَذَا قَوْلُ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَشْهُرِ الَّتِي جَعَلَهَا لِلسِّيَاحَةِ، وَقَطَعَ بِمُضِيِّهَا عِصْمَةَ الْمُشْرِكِينَ وَعَهْدَهُمْ.
وَقَدْ قِيلَ : فِي جَوَازِ نَقْضِ الْعَهْدِ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّتِهِ عَلَى جِهَةِ النَّبْذِ إلَيْهِمْ، وَإِعْلَامِهِمْ نَصْبَ الْحَرْبِ وَزَوَالَ الْأَمَانِ وُجُوهٌ : أَحَدُهَا : أَنْ يَخَافَ غَدْرَهُمْ وَخِيَانَتَهُمْ، وَالْآخَرُ : أَنْ يَثْبُتَ غَدْرُهُمْ سِرًّا فَيَنْبِذَ إلَيْهِمْ ظَاهِرًا، وَالْآخَرُ : أَنْ يَكُونَ فِي شَرْطِ الْعَهْدِ أَنْ يُقِرَّهُمْ عَلَى الْأَمَانِ مَا يَشَاءُ وَيَنْقُضَهُ مَتَى يَشَاءُ كَمَا ﴿ قَالَ النَّبِيُّ لِأَهْلِ خَيْبَرَ : أُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ، ﴾ الْآخَرُ : أَنَّ الْعَهْدَ الْمَشْرُوطَ إلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ فِيهِ ثُبُوتُ الْأَمَانِ مِنْ حَرْبِهِمْ وَقِتَالِهِمْ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِمْ، وَأَنْ لَا يُقْصَدُوا وَهُمْ غَارُّونَ، وَأَنَّهُ مَتَى أَعْلَمَهُمْ رَفْعَ الْأَمَانِ مِنْ حَرْبِهِمْ فَذَلِكَ جَائِزٌ لَهُمْ، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ فِي مَضْمُونِ الْعَهْدِ، وَسَوَاءٌ خَافَ غَدْرَهُمْ أَوْ لَمْ يَخَفْ أَوْ كَانَ فِي شَرْطِ الْعَهْدِ أَنَّ لَنَا


الصفحة التالية
Icon