شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ.
قَالَ قَتَادَةُ : عِشْرُونَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَصَفَرٌ وَرَبِيعٌ الْأَوَّلُ وَعَشْرٌ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ، كَانَ ذَلِكَ فِي الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَهُمْ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : قَوْلُ قَتَادَةَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ مُجَاهِدٍ الَّذِي حَكَيْنَاهُ، وَأَمَّا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ فَأَظُنُّهُ وَهْمًا ؛ لِأَنَّ الرُّوَاةَ لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ سُورَةَ بَرَاءَةٌ نَزَلَتْ فِي ذِي الْحِجَّةِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى الْحَجِّ، ثُمَّ نَزَلَتْ بَعْدَ خُرُوجِهِ سُورَةُ بَرَاءَةٌ فَبَعَثَ بِهَا مَعَ عَلِيٍّ لِيَقْرَأَهَا عَلَى النَّاسِ بِمِنًى ؛ فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الْأَخْبَارِ أَنَّهُ قَدْ كَانَ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عَامٌّ، وَهُوَ أَنْ لَا يَصُدَّ أَحَدًا مِنْهُمْ عَنْ الْبَيْتِ، وَلَا يَخَافُ أَحَدٌ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَهْدَهُمْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ﴾ وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَوَاصَّ مِنْهُمْ عُهُودٌ إلَى آجَالٍ مُسَمَّاةٍ، وَأُمِرَ بِالْوَفَاءِ لَهُمْ وَإِتْمَامِ عُهُودِهِمْ إلَى مُدَّتِهِمْ إذَا لَمْ يَخْشَ غَدْرَهُمْ وَخِيَانَتَهُمْ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى :﴿ إلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلَى مُدَّتِهِمْ ﴾ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُدَّتَهُمْ إمَّا أَنْ تَكُونَ إلَى آخِرِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ الَّتِي قَدْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى حَرَّمَ الْقِتَالَ فِيهَا، وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ مُدَّتُهُمْ إلَى آخِرِ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ مِنْ وَقْتِ النَّبْذِ إلَيْهِمْ، وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ، وَآخِرُهُ عَشْرٌ مَضَيْنَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخِرِ، فَسَمَّاهَا الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مُجَاهِدٌ لِتَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِيهَا، فَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ عَهْدٌ.
وَأَوْجَبَ بِمُضِيِّ هَذِهِ