الِاعْتِرَافِ بِهَا يَسْتَحِقُّ الْقِتَالَ، فَثَبَتَ أَنَّ مَنْ أَدَّى صَدَقَةَ مَوَاشِيهِ إلَى الْفُقَرَاءِ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَحْتَسِبُ لَهُ بِهَا، وَأَنَّهُ مَتَى امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِهَا إلَى الْإِمَامِ قَاتَلَهُ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا فِي صَدَقَاتِ الْمَوَاشِي.
وَأَمَّا زَكَاةُ الْأَمْوَالِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ قَدْ كَانُوا يَأْخُذُونَهَا كَمَا يَأْخُذُونَ صَدَقَاتِ الْمَوَاشِي، فَلَمَّا كَانَ أَيَّامُ عُثْمَانَ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ : هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيُؤَدِّهِ ثُمَّ لِيُزَكِّ بَقِيَّةَ مَالِهِ فَجَعَلَ الْأَدَاءَ إلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ، وَصَارُوا بِمَنْزِلَةِ الْوُكَلَاءِ لِلْإِمَامِ فِي أَدَائِهَا.
وَهَذَا الَّذِي فَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي مَانِعِي الزَّكَاةِ بِمُوَافَقَةِ الصَّحَابَةِ إيَّاهُ كَانَ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ مِنْهُمْ بَعْدَمَا تَبَيَّنُوا صِحَّةَ رَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ فِي ذَلِكَ.
وَيَحْتَجُّ مَنْ أَوْجَبَ قَتْلَ تَارِكِ الصَّلَاةِ، وَمَانِعِ الزَّكَاةِ عَامِدًا بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَزَعَمَ أَنَّهَا تُوجِبُ قَتْلَ الْمُشْرِكِ إلَّا أَنْ يُؤْمِنَ، وَيُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَيُؤْتِيَ الزَّكَاةَ.
وَقَدْ بَيَّنَّا الْمَعْنَى فِي قَوْله تَعَالَى :﴿ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ ﴾ وَأَنَّ الْمُرَادَ قَبُولُ لُزُومِهِمَا، وَالْتِزَامُ فَرْضِهِمَا دُونَ فِعْلِهِمَا.
وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا ادَّعَوْا مِنْ الدَّلَالَةِ عَلَى مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ، مِنْ قِبَلِ أَنَّهَا إنَّمَا أَوْجَبَتْ قَتْلَ الْمُشْرِكِينَ، وَمَنْ تَابَ مِنْ الشِّرْكِ، وَدَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ وَالْتَزَمَ فُرُوضَهُ، وَأَقَرَّ بِهَا فَهُوَ غَيْرُ مُشْرِكٍ بِاتِّفَاقٍ، فَلَمْ تَقْتَضِ الْآيَةُ قَتْلَهُ ؛ إذْ كَانَ حُكْمُهَا مَقْصُورًا فِي إيجَابِ الْقَتْلِ عَلَى مَنْ كَانَ مُشْرِكًا وَتَارِكُ الصَّلَاةِ، وَمَانِعُ الزَّكَاةِ لَيْسَ بِمُشْرِكٍ فَإِنْ قَالُوا : إنَّمَا أَزَالَ الْقَتْلَ عَنْهُ بِشَرْطَيْنِ، أَحَدُهُمَا : التَّوْبَةُ، وَهِيَ الْإِيمَانُ، وَقَبُولُ شَرَائِعِهِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي : فِعْلُ الصَّلَاةِ،


الصفحة التالية
Icon