قَوْله تَعَالَى :﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَك فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ﴾ قَدْ اقْتَضَتْ هَذِهِ الْآيَةُ جَوَازَ أَمَانِ الْحَرْبِيِّ إذَا طَلَبَ ذَلِكَ مِنَّا لِيَسْمَعَ دَلَالَةَ صِحَّةِ الْإِسْلَامِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ :﴿ اسْتَجَارَك ﴾ مَعْنَاهُ : اسْتَأْمَنَك، وقَوْله تَعَالَى :﴿ فَأَجِرْهُ ﴾ مَعْنَاهُ : فَأَمِّنْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ الَّذِي فِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى صِحَّةِ التَّوْحِيدِ، وَعَلَى صِحَّةِ نُبُوَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ إذَا طَلَبَ مِنَّا إقَامَةَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ، وَبَيَانَ دَلَائِلِ التَّوْحِيدِ وَالرِّسَالَةِ حَتَّى يَعْتَقِدَهُمَا لِحُجَّةٍ وَدَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْنَا إقَامَةُ الْحُجَّةِ، وَبَيَانُ تَوْحِيدِ اللَّهِ وَصِحَّةِ نُبُوَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ لَنَا قَتْلُهُ إذَا طَلَبَ ذَلِكَ مِنَّا إلَّا بَعْدَ بَيَانِ الدَّلَالَةِ، وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَنَا بِإِعْطَائِهِ الْأَمَانِ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ.
وَفِيهِ الدَّلَالَةُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ عَلَيْنَا تَعْلِيمَ كُلِّ مَنْ الْتَمَسَ مِنَّا تَعْرِيفَهُ شَيْئَا مِنْ أُمُورِ الدِّينِ ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ الَّذِي اسْتَجَارَنَا لِيَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ إنَّمَا قَصَدَ الْتِمَاسَ مَعْرِفَةِ صِحَّةِ الدِّينِ.